[القرآن سلاح ضد الشيطان]
وبهذه النكتة ننهي الكلام عن هذا الجزء من الحديث، وهو قوله: (تقرؤه نائماً ويقظاناً): ورد في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر الصدقة -جعله حارساً على تمر الصدقة- فبينما أنا جالس في هجيع من الليل، إذ رأيت رجلاً يحمل تمراً في حجره، فأمسكته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فشكا حاجة عياله، وأقسم أنه لن يعود، فتركته، فلما أصبحت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما فعل صاحبك البارحة يا أبا هريرة؟ فقلت: يا رسول الله! شكا حاجة عياله وأقسم أنه لن يعود.
قال: كذبك وسيعود.
فلما كانت الليلة الثانية جاء يحثو التمر، فأمسكته -وتكرر نفس الفعل، فلما أصبحت سألني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: شكا حاجة عياله وأقسم أنه لن يعود.
قال: كذبك وسيعود.
وفي الليلة الثالثة جاء ليحثو التمر، فأمسكته وقلت: أما هذه المرة فلن أدعك، ولأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: ألا أعلمك شيئاً ينفعك وتتركني.
قلت: وما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنك إذا قرأتها لم يزل عليك من الله حافظاً حتى تصبح).
أي: وأنت مستيقظ تذكر الله سبحانه وتعالى، وهو سلاحك ضد الشيطان، كما في حديث أبي مالك الأشعري الذي أوله: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات إلى أن قال: قال يحيى لبني إسرائيل: وآمركم بذكر الله، وإن مثل ذلك -أي: مثل من يذكر الله- كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى مغارة حصينة فاحترز بها منهم، فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله)، فمعك سلاح، وأنت قادر على أن تهزم شيطان الجن في أول جولة، فإنه أول ما تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يولي الأدبار، أما شيطان الإنس فلو قرأت عليه القرآن كله يقول لك: إنا هاهنا قاعدون، فأنت تغلب شيطان الجن من أول جولة، وهو مهزوم دائماً؛ لأنك إذا استعذت بالله منه، فر وهرب.
فإذا كنت مستيقظاً تذكر ربك سبحانه وتعالى وتستغفره، وكلما رأيت شيئاً في هذا الكون ذكرت الله، فلن يقترب منك الشيطان، لكن حين تنام وتلقي سلاحك، فإن عدوك سوف يغتالك؛ لأنك قد ألقيت سلاحك؛ ولذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا عندما نأتي لننام أن نقول: (اللهم إني وجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك)، ما أجمل هذه الجملة! لا يمكن أن تعطي ظهرك لإنسان خائن أبداً، وحين تقول: وألجأت ظهري إليك، كأنك تقول: يا رب! لن أوتى وقد ألجأت ظهري إليك أبداً.
يا رب! أنا سأنام، وقد ألقيت سلاحي، فأنت الذي ستتولى حفظي، وأنا حينما كنت مستيقظاً فإنني أذكرك ولا أفتر عن ذكرك، فقد ألجأت ظهري إليك فاحمني.
وقبلها يقول: (وجهت وجهي إليك)؛ لأنه قد ينام ولن يقوم، فقد يموت، فوجهه ذاهب إلى الآخرة: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:٣٠]، وهذا ترجمة للحديث الآخر: (اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)، إن أمسكت روحي فهي إليك، وإن أرسلت روحي مرة أخرى فاحمني حتى لا يغتالني عدوي.
فأنت ستقرأ القرآن قبل أن تنام؛ فيكون من عاقبة القراءة أن الله تبارك وتعالى يوقف ملكاً يحرسك إلى أن تستيقظ فتقرؤه نائماً؛ أي: حال نومك، وأنت عندما تنام وتقرأ القرآن تكون قد احترزت من عدوك من الجن.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء همنا وغمنا وحزننا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزينا بأحسن الذي كنا نعمل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.