إن هذا الصراط المستقيم عزيز سالكه؛ ولذلك لو سلكته وتلفتَّ حولك، فلن تجد فيه إلا الواحد بعد الواحد، والنفس تستوحش من قلة الناس، وتأنس بالكثرة، فإذا سلك هذا الطريق رجلٌ لم يتحقق بالعلم والإيمان، ونظر فلم يجد أحداً حوله فقد يستوحش، وقد يصده ذلك عن المضي قُدُماً إلى آخر الطريق؛ فلذلك قال من قال من السلف:(عليك بطريق الحق وإن كنت وحدك، ولا تستوحش بقلة السالكين، ولا تسلك طرق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين).
الذين يسلكون الصراط المستقيم هم الأعلون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً، الذين يسلكون هذا الطريق هم الأعظمون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً.
من الذين سلكوا هذا الطريق؟ إنهم المذكورون في قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:٦٩].
وأنت قد لا تكون واحداً من هؤلاء؛ لكنك رفيق، (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، لست على قدرهم لا في العلم ولا في الإيمان؛ لكن طالما كنت رفيقاً فلن تشقى بهم، لن تشقى معهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(المرء مع من أحب)، قال أنس بن مالك -راوي هذا الحديث في الصحيحين-: (فما فرحنا بعد الإسلام كفرحنا بهذا الحديث، ثم قال: وأنا أحب أبا بكر وعمر وإن لم أعمل بأعمالهم) فهو يرجو أن يكون معهم في المنزلة بحبه لا بعمله.
فالطريق المستقيم إذا مشيت فيه ولم تجد أحداً، فعليك أن تتذكر هؤلاء الرفقاء: النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ حتى تعطي نفسك عزماً جديداً.
ولله در الإمام أحمد! كان يقول:(عليك بهدي -أو بسنن- من مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
رفيقك السابق مات وترك آثاراً صالحةً لم تمح، لا بارتداد ولا بترك التزام ولا بتفسخ مات وهو ملتزم.
إذاً: أنت حين تعرف أن رفيقك السابق مضى إلى الله عز وجل على هذا الطريق فإن هذا يعطيك عزماً جديداً على أن تمضي قدماً على هذا الطريق.