قال يحيى عليه السلام:(وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو في أثره سراعاً) إن الشيطان إذا رأى العبد ليس صاحب كبيرة أو صاحب صغيرة فإنه يحاول أن يدخل عليه من باب آخر فيشغله بالمفضول عن الفاضل فيقل أجره، فيصير مشغولاً بفضول المباحات فيضيع المستحبات، يعني مثلاً: يأتي هذا الرجل ويقول: والله أنا طوال السنة في عمل وأريد أن أتفسح وسأذهب إلى المصايف -والذهاب إلى المصيف ومخالطة أهل الفسق والعري لا يجوز شرعاً- فيأتيك من يقول: إن الناس يمشون بهذه الملابس العارية في الشوارع، فما الفرق؟ فنرد عليه بالقول أنت لا تستغني عن المشي في الشارع فمن الضروري أن تمشي فيه وترى مثل هذه المناظر، فأنت هنا لست مخيراً، لكن متى ما ذهبت إلى المصيف فأنت مختار لملابسة أهل العصيان، فيرد هذا الرجل قائلاً: أنا سوف أذهب إلى المصيف وأقصد أبعد مكان عند الحدود بحيث تفصلني عن هؤلاء مسافة طويلة، ولا أختلط بأهل العصيان.
يرى بفعله هذا أنه أتى مباحاً، فيذهب إلى هناك، ويقعد يلعب مع الأولاد ويسبح ويمضي وقته في اللهو، فنقول له: هذا المباح على حساب أعمال أهم، فكونك تجعل الذكر رياضتك، فإنك لن تحتاج إلى هذه المباحات التي يسعى الناس إليها، إذا أنست برب العالمين استغنيت عن الخلق.
إذاً ذهابك إلى هناك وإن كان مباحاً شغلك عن مستحب، وطالما أن المسألة كانت مسألة تحصيل للأجر، فينبغي على المرء أن يسعى إلى تحصيل أعلى الأجرين، فالشيطان عدو الإنسان يسعى وراءه.
قال يحيى عليه السلام:(وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو -والعدو هو الشيطان فلا يوجد غيره- في أثره سراعاً) أي: لا يدعه طرفة عين (فدخل حصناً حصيناً فأحرز نفسه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) فاذكر الله تبارك وتعالى؛ لأنك لو ذكرت ربك احتميت من شيطانك، قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:٧٦] فالشيطان عدو مبين وخطير وله من الإمكانات أكثر مما لنا، لكنه كان ضعيفاً؛ لأنه في مقابل كيد الله.
وأخيراً: أود أن أنبه إلى أن بعض الناس يخطئون في الجمع بين قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف:٢٨] وبين قول الله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء:٧٦] فيقول لك: إن كيد النساء أشد من كيد الشيطان، ونحن نقول: هذا خطأ، لأننا قلنا من قبل إن السياق من المقيدات، فهذه الآية لها سياق وتلك لها سياق آخر، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}[يوسف:٢٨]؛ لأن كيد المرأة كان مقابلاً بكيد يوسف عليه السلام، فالنساء كيدهن عظيم إذا قوبل بكيد الرجال، لكن الشيطان كيده ضعيف؛ لأنه مقابل بكيد الله فلو وضعت كل كلام في سياقه يتبين لك المعنى.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا وإياكم في ديننا، وأن يجعل ما سمعناه وما قلناه زاداً إلى حسن المصير إليه، وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.