[جهل بعض الدعاة والعلماء في فتاويهم بواقع الأمة]
بعض الدعاة الذين يقولون: إن الوجه يجوز كشفه -بغض النظر عن الحكم والفقه في هذه المسألة- لم يفطنوا إلى مقصد هؤلاء العلمانيين الذين يريدون أن يصلوا إلى هدفهم، يقول لك: العالم الفلاني قال: إن وجه المرأة ليس بعورة، هم كانوا يسمعونه بالأمس ولا يستدلون به، لكن هذا العالم له صيت عند الجماهير فيخدعون الناس بالمكانة هذه، وبغض النظر عن الحكم الفقهي في المسألة، فإن هذه معركة كيان أمة، يريدون أن يذوبوه مرة أخرى، فلكي يستغلوا هذا، يحتجون بهؤلاء العلماء.
ونحن نقول للدعاة وللعلماء لابد من معرفة واقع الأمة في هذه الفترة، كذلك أنا متعجب من الذين يتكلمون عن الغناء أن له ضوابط، فيا ترى أي ضوابط يقصدون؟ إذا كنت تعلم أن المستفتي لا يراعي الضوابط؛ فأغلق عليه الباب، هل معنى إذا كان الغناء عفيفاً وشريفاً أنه يجوز، هل هذا اليوم موجود؟ غير موجود، هل الجماهير تلتزم بهذه الضوابط؟ لا تلتزم بالضوابط؛ لذلك كان ابن الجوزي معذوراً لما حذر على أبي نعيم عندما ألف كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.
لقد كتب حلية الأولياء عند شخص صوفي، فإذا بالصوفي يظن أن من المتصوفة: أبو بكر وعمر وأحمد بن حنبل وسعيد بن المسيب، فلا يجوز أن تقول: أحمد بن حنبل صوفي، إنما قل: أحمد زاهد، لو قلت صوفياً، أقول لك: ليس صوفياً، لماذا؟ مراعاة للاصطلاح.
وهذه الأيام عندما يأتي شخص -بعدما تفشى الغناء بمذاهب شتى- يقول لك: الغناء جائز بضوابط، لو أنك تعلم أن الجماهير لا تلتزم بالشرع؛ إذاً: هل يجوز لك أن تذكر الفتوى بهذه الضوابط التي لا تلتزم بها الجماهير.
فقه المفتي يقتضي عكس ذلك، أغلق عليه الباب، قال العلماء: لا تعطي الرخصة لرجل مستهين؛ لأنه سيتخذ الرخصة في غير مكانها، مثلاً: رجل جاء وقال: أنا أعمل في طلاء البيوت، ويدي تمتلئ بالطلاء، فيأتي يسألك هل يجوز أن أجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير، فأنت عندما تسمع في أثناء كلامه بعض الكلمات تجعلك تحجم عن إعطاء الفتوى والرخصة، وإذا جاء شخص وقال: أنا في العمل ولا أستطيع أن أصلي كل صلاة في وقتها فهل لي أن أجمع؟ فقال له المفتي: اجمع بين الصلاتين، إذاً: هذا أعطاه رخصة، فهو إذا كان صاحب فوضى لا يلتزم لا يلتزم بهذه الفتوى ولا بالرخصة.
ولا تقل: النقاب مستحب وإلا واجب -الآن- لأننا أصبحنا في مرحلة غريبة جداً، ولم يعد الكلام على الحكم هل واجب أم مستحب، الكلام أصبح على أصل النقاب، فعندما يأتي رجل ويقول: النقاب مستحب وصوت المرأة ليس بعورة، قد يأتي لك شخص ويقول لك: الشيخ فلان والشيخ علان قال: إن النقاب مستحب، وصوت المرأة ليس بعورة، ومما يؤكد أن القضية ليست مسألة حكم فقهي، وإنما يراد به إفساد المجتمع، تراه اليوم من حملات شرسة على الحجاب، وقضية تحرير المرأة.
ويروون قصة أن شخصاً يستدرج النساء ويقطع أيدهن ويأخذ الذهب، فلماذا يقطع أيديهن؟! لماذا لا يأخذ الذهب دون أن ينشغل بقطع اليد؟! فهذا كذب، والكاذب لا بد أن يترك أثراً تستدل به على كذبه؛ ولو وقع ما يدعونه، لبلغنا بالتواتر، وأنا أؤكد لكم أنكم تتعاملون مع أهل مكر وخديعة {يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:١٩].
والرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود فيختبئ اليهودي خلف الحجر فينادي الحجر يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله) وهم يختفون خلف شجر الغرقد لأنه من شجر يهود إذا اختبأ خلفه لا ينادي.
إذاً: لابد أن نرجع إلى ربنا؛ ليسخر الله عز وجل لنا من يعيننا على مهمة إعداد جيل التمكين، ولا يكون هذا الجيل إلا من الرضاع ولا يكون ذلك، إلا إذا كانت الأم نبيلة وكان الرجل نبيلاً، فلا بد لكل رجل أن يرجع إلى بيته، ويعلم الغاية من خلقه، ويسأل نفسه ماذا قدم لأمته؟ هل ربى أولاده التربية الحسنة؟ أخي الحبيب: إنك لا تدري متى يأتيك الموت فالموت يأتي بغتة، والقبر صندوق العمل، فأعد للقاء ربك عز وجل، انصح الناس وإن كنت تعلم أنه لا فائدة، قلها كما قال القائلون من بني إسرائيل: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:١٦٤].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وسلم، والحمد لله رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
ربنا آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا.