الذين عاينوا السجن قديماً في الستينيات لهم مواقف أشد مرارة، يأتي أحد النواب المصريين في كتابٍ له اسمه الطريق إلى المنصة يقول: وهذا الرجل كان الذراع الأيمن للمشير عبد الحكيم عامر، إذا أراد المشير أن ينام مع امرأة يذهب إلى باريس فيأتي له بغرفة النوم -يعني: رجل من أوليائه- وكان صلاح نصر آنذاك يصور المشير عارياً مع المرأة، وهو صديقه الحميم، لعله يحتاج إليها في يوم من الأيام لا يوجد في قواميس هؤلاء معنى للوفاء ولا للصداقة.
المهم: فقد صلاح نصر الصور: أين ذهبت؟ صار خائفاً أن ينكشف أمره.
فسام كل الذين من حوله من أصفيائه وأوليائه سوء العذاب بحثاً عن هذه الصور.
يقول الرجل: وفي الساعة الثالثة من الليل هجموا على البيت، فأخذوني وقالوا: أين الصور؟ قلت: أي صور؟! والله ما أعلم شيئاً.
قالوا: لا، أخرج الصور.
قال: وعلقوني كالذبيحة، وعشت أياماً لا شمس لها ولا قمر، لا يسمع عنها الزمان! ودخل مع الإخوان آنذاك، قال: رأيت بعيني منظراً لا أنساه، رجل عمره يزيد على الستين! عجوز! أخذوه وربطوا يديه ورجليه، ثم ربطوه في ذيل الفرس، وعاد الفرس هارباً، فيستحثون الفرس على الجري فيجري والرجل يجرجر على الأرض، ظل في دوران مدة نصف ساعة، فلما انتهى هذا الشوط من التعذيب أصبح الرجل كأنه نصب أحمر من كثرة الدماء.
قال راوي القصة: المدهش أن الرجل جاء ينطق بالشهادة ويقول: الحمد لله، أنهيت وردي! كيف لهذا الرجل أن يقرأ وهو يعذب؟ من الذي ثبت فيه العقل، أو ثبت فيه قوة القلب؟! إياك أن تتصور أن حياة المبتلى في الله حياة ضنك لا والله! إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إن الشهيد لا يشعر بوقع القتل إلا كما يشعر أحدكم بالقرصة) عندما تطير عنقه لا يشعر بشيء، وهو أول القربات، قرصة واحدة وانتهى الأمر.
وهذا مشاهد، أحياناً الإنسان وهو يعمل عملاً فيه مكسب بدني ممكن تقطع يده أو عنقه وهو لا يدري إلا بعد ذلك، الصبر على القضاء واجب، لكن الرضا به مستحب، ولا يرضى إلا المؤمنون حقاً.