للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على استحباب المبتدعة تسييد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة]

يقول: (ومضى جمهور المحققين) هكذا، من هم جمهور المحققين؟ هو وأمثاله (على أنه يستحب أن يسيد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد خلافاً لثالوث التكفير ابن تيمية: وابن القيم وابن عبد الوهاب) هكذا بالنص، يعني: وأنت ترفع الأذان تقول: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله؛ لأن تسييده أدب، وترك تسييده قلة أدب، ووضع صورته على عنوان المقال، صورة رجل حليق، كأنه يرى أنه من الأدب -وهذا على أصله الفاسد الذي قعده- أن يخالف.

إذا أمرك الرسول بأمر ورأيت الأدب في خلاف ما أمر، اسلك سبيل الأدب، مع أنه يدحض باطله أيضاً -وهم جهلة بالسنة وبالأصول- يدحضه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي محذورة الصحيح الذي رواه النسائي وأبو داود وغيرهما (: الآذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة) فلو زدت (سيدنا) زاد عدد الأذان عن تسع عشرة كلمة، ومعلوم عند جماهير أهل الأصول أن الأرقام قطعية الدلالة، وليست ظنية؛ لأنه لا خلاف في مدلول الرقم.

فإذا سمعت قوله تبارك وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢] لا تقل: هو يقصد تسعين جلدة، أو يقصد مائة وعشرين جلدة، أو يقصد ما تقوم به العقوبة قل أو كثر؛ لأن لفظ مائة عدد، ولا يختلف أحد من العباد في تأويله، وهذا يدل على أنه قطعي الدلالة، إذ لا يجوز الخلاف على مدلوله، بخلاف بعض الألفاظ التي تحتمل قولاً أو أكثر فتكون ظنية الدلالة، كقوله تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:١٨] فالمساجد هنا ظنية الدلالة؛ لأن معنى مسجد واقع بين معنيين كلاهما تحتمله أصول اللغة، فمن قال أن معنى المساجد هي مواضع الصلاة، يكون معنى (وأن المساجد) هنا جمع مسجد، ومن قال بأن المساجد هي أعضاء السجود؛ يكون المعنى أن هذه الأعضاء لا تسجد لغير الله، وأن السجود لغير الله لا يجوز.

وعلى ذلك تكون الألفاظ ظنية الدلالة لا تقطع بقول فيها وتخطئ الآخر، بخلاف الأعداد إذ لا خلاف بين أحد على تأويل العدد، فيكون قطعي الدلالة، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأذان تسع عشرة كلمة) فلو قلت: (سيدنا) زاد العدد عن تسعة عشرة، وهذا لا يجوز؛ لأنه مخالف لمقطوع به دلالة، وليس في أذان بلال ولا في غيره، ولا استحب أحد من الذين تدور عليهم الفتيا بين المسلمين أن يقول الرجل: أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، وإن كان هو سيد ولد آدم ولا فخر.

لكن ما علاقة هذا بذاك؟ يقول: (من أذن فسلك سبيل الأولين في الأذان؛ لا مانع، لكن لا يجوز له أن ينكر على من زاد سيدنا في الأذان لأنه سلك سلوك الأدب) هذه شبهة إبليسية، تعلمون من أين أخذها هذا الرجل؟ وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام:١٢١] فما من شبهة وضعت في الأرض إلا أوحى بها إبليس.