إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
إن الله تعالى كتب الابتلاء على كل فرد، فلا ينجو منه أحد، لكن يبتلى كل إنسان ببلاء يخالف بلاء الرجل الآخر، لكن لا يمضي رجل أبداً -سواء من المؤمنين أو الكافرين- إلا وقد ابتلي في الدنيا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم رسم لأصحابه خطاً مربعاً، ثم مد خطاً من داخل المربع فتجاوز المربع، ثم رسم خطوطاً قصاراً في داخل المربع، وحول هذا الخط الطويل، ثم أشار إلى المربع وقال عليه الصلاة والسلام:(هذا أجل ابن آدم محيط به، ثم أشار إلى الخط الطويل وقال: هذا أمله -أي: أن أمله يحتاج إلى أضعاف عمره- ثم أشار إلى الخطوط القصار حول هذا الخط الطويل وقال: هذه الأعراض إذا نجا من عرض نهشه الآخر).
يعني: أن الإنسان في الدنيا لا ينفك أبداً عن عرض يعرض له وعن فتنة تلابسه.
إن أعظم منافع التعرض للبلاء هو أنه يجعل القلب قوياً؛ لأن القلب إنما يستمد مادة حياته من البلاء؛ ولذلك اختار الله عز وجل البلاء لأوليائه وأنبيائه، ترى هل يترك الله عز وجل أولياءه يتخبطون في الأرض؟! لماذا يخرج موسى خائفاً يترقب؟ لماذا يخرج نبينا صلى الله عليه وسلم ويختبئ في الغار؟ لماذا يدال على دولة المؤمنين كثيراً وهم أولياء الله عز وجل؟! لأن القلب يستمد حياته من المحن، ولذلك تجد أضعف الناس قلوباً هم أهل الترف، إما أهل الابتلاء فهم أقوى الناس قلوباً، والعبد يوم القيامة يوزن عند الله عز وجل بقلبه لا بجسمه، قال إبراهيم عليه السلام:{وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٧ - ٨٩].
وصعد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يوماً إلى شجرة، فنظر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه وتضاحكوا، فقال عليه الصلاة والسلام:(ما يضحككم؟ قالوا: يا رسول الله! نضحك من دقة ساقيه -وكان ابن مسعود ضعيفاً شديد الضعف، بحيث أن الرياح إذا هبت كانت تكفؤه، فلما صعد إلى الشجرة رأوا دقة ساقيه فتضاحكوا- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد)؛ ذلك لأن الله عز وجل يزن العباد يوم القيامة بقلوبهم.