[التحذير من الوقوع في الخلافات العائلية]
إن الحياة الدنيا قصيرة لا تتسع للنزاعات، لأنك إن اشتغلت بالنزاع مع غيرك أو مع زوجك ضاعت حياتك، وضاع الوقت الذي ابتلاك الله عز وجل فيه بالعمل، أن تلقى الله وقد خاصمت الكل، وملأت صدرك بالحقد؛ لأجل مسائل توافه ليس لها ثمرة.
هذه الدنيا قصيرة جداً، كما ورد في بعض الأحاديث -ولكنها غير صحيحة، لكن ورد هذا على بعض ألسنة السلف-: أن الدنيا خطوة رجل مؤمن فيروى في بعض الأحاديث أو بعض الإسرائيليات أن نوحاً عليه السلام -وهو أطول الأنبياء عمراً- سئل عن الدنيا؟ فقال: باب دخلت منه وباب خرجت منه، ولا يحس المرء بهذه الحقيقة المرة إلا وهو يعايش ملائكة الله تبارك تعالى وهي تنزع الروح، الذين عاشوا ستين أو سبعين سنة سلهم: هل الدنيا قصيرة أم لا؟ تجدها قصيرة، فهي لا تستحق النزاعات.
لقد وصف الله عز وجل الزواج أنه سكن، بل وصف الرجل مع المرأة في عشرتهما بأبلغ من ذلك: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:١٨٧] فانظر إلى قوة هذا التعبير كلاهما لبس الآخر ملابسة! لم الخصومة والنزاع؟ وتتصور المرأة أن الرجل متسلط عليها؟ هب ذلك، إن الظلم لا يدفع بظلم مثله، والمثل الجائر الفاسد الذي يجري على ألسنة الناس (الكبر على أهل الكبر صدقة) متى كان الكبر صدقة؟ متى كانت المعاصي تدخل في جملة الصدقات التي يتقرب إلى الله بها؟ لا يجوز أن يُدفع الباطل بباطل، إنما يدفع بحق أو يصبر، لا تقل: كما ظلمني أظلمه إذا ظلمك أحد فادفع ظلمه بحق أو اصبر عليه، لكن الله تبارك وتعالى الذي حرم الظلم على هذا الإنسان حرمه عليك أيضاً، فالمرأة لا تتصور أن الزوج خصم لها، فتصبر عليه، فإن صبرها عليه لها به أجر.
أين نحن من مثل قوله صلى الله عليه وسلم -كما في الترمذي وغيره-: (رحم الله عبداً استيقظ من الليل، فأيقظ امرأته -أي: لتصلي معه- فإن أبت نضح الماء على وجهها، ورحم الله امرأة استيقظت من الليل فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت الماء على وجهه فأيقضته).
صورة مختلفة تماماً للبيت المؤمن الصالح، ولكن ينبغي الالتزام أو فهم معنى النضح، النضح ماء خفيف جداً، يكون باليد أو بالفم، فلا تأت بوعاء ماء وترشه! لا، ماء خفيف جداً.
ثم يجب على الرجل أو المرأة أن يترفق كلاهما بالآخر في هذا الباب، هب أن الرجل متعب أو المرأة متعبة كأن تكون طيلة اليوم في عمل البيت، ليس واجباً أن توقظها، إنما هذا ندب تندب إلى هذا الفعل إن علمت راحة المرأة.
عرضت علي حالة في غاية العجب: رجل تزوج امرأة، وأرادا أن يطبقا هذا الحديث، ولكن المرأة تستيقظ في الفجر والرجل لا يستيقظ؛ من شدة تعبه وعمله في اليوم، وكان يعمل عملاً شاقاً، ويأتي في الليل متأخراً، فكانت توقظه فيأبى، فأغلظت المرأة عليه في الإيقاظ، وقالت: كيف تصلي الفجر متأخراً؟ طلقني.
ولم يكن مضى على زواجهم أكثر من ثلاثة أسابيع، قال لها: اذهبي فأنت طالق.
ثم جاءت المرأة تستفتي في هذا الأمر، فقالت: هل يجوز أن أقول هذا؟ والنبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه قصة كما في سنن أبي داود أن امرأة صفوان بن المعطل السلمي شكت زوجها للنبي عليه الصلاة والسلام وهو جالس، فقالت: يا رسول الله! إن صفوان يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس.
فقال صفوان: يا رسول الله! لا تعجل علي.
فأما قولها: (يضربني إذا صليت) فإنها تصلي بسورتين -أي: بعد الفاتحة- وقد نهيتها عن ذلك، وأمرتها أن تصلي بسورة واحدة، فقال لها: أطيعي زوجك -لأن الصلاة تنعقد بالفاتحة فقط بدون قراءة سورة، فكيف إذا كانت المرأة تؤمر بسورة واحدة، وهذا مستحب، وطاعة الزوج فرض-.
وأما قولها: (يفطرني إذا صمت) فإني رجل شاب، وهي تستأنس الصوم، ولا تستأذنني، فكنت آتيها فأفسد عليها صومها.
فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) وهذا في غير رمضان.
أما قولها: (لا أصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس) فإنا آل بيت عرف عنا ذلك، فواضح من سياق الحديث أن هذه جبلة، فإنه إذا نام ينام نوماً عميقاً لا يستيقظ، ولا يملك أن يستيقظ وإن أيقظه أحد، والشريعة سمحة- فقال عليه الصلاة والسلام: إذا استيقظت فصلِ؛ لأنه جاء في حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك) فكيف تقول له: طلقني؟ لا يجوز للمرأة أن تفعل ذلك.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا