للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم بذل العلم لمن لا يستحقه لا يعد من كتمان العلم المنهي عنه]

السؤال

ما نقلته عن الأعمش رحمه الله تعالى هل هو من الشرع النبوي في معاملة الشيخ لتلاميذه؟ أليس في هذا شيء من كتم العلم؟

الجواب

لم يكتم علماً، بدليل أنني قلت في مطلع الكلام: إن دواوين الإسلام مليئة بحديث الأعمش، لكنه كان بعد أن يشتد عليهم يعود فيحدثهم، ونسيت أن أذكر في هذا الكلام أنه بعد أن يشتد عليهم ويعود ليحدثهم كان يقول: لو كنت بقالاً لاستقذرتموني؛ -لأنه كان في عينيه عمش- إنما رفعني الله بهذا العلم، فهو كان يحدث، وما كان يكتم علماً، ولكن كان يؤدب.

فالأخ يقول: نخشى أن يقوم بعض الشباب بنفس هذه الأفعال، فيقال: لا.

نحن ضربنا المثل بهذا لنعلل لماذا كان يسلك هذا المسلك، وإلا فلكل مقامٍ مقال، وأحياناً بعض الناس لا ينفع معه إلا الشدة، وبعضهم لا ينفع معه إلا اللين، فكلما كان هناك إقبال على الشيخ وكان طلابه يحتملون منه جاز له أن يفعل مثل هذه الأشياء، لكن إذا كان الإنسان متروكاً، أو ليس له تعظيم في قلوب الناس إذا عمل هذا العمل تركه الناس، فالإنسان يستخدم ما يسميه المتقدمون بالفقه النفسي والله أعلم.

مداخلة: هل يقال في هذا: إنه من باب عدم إذلال العلم؟ الشيخ: نعم.

فيما مضى كان العلماء يتعففون أن ينتقلوا بكتب العلم إلى أحد، حتى إن الإمام البخاري لما قال له الأمير عبد الله بن طاهر: إني أريدك أن تقرأ كتابك على أولادي -يعني: كتاب التاريخ الكبير وكتاب الصحيح- فقال: إني لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كان لأولادك حاجة فليأتوني في المجلس، قال: يأتوك ولكن خصهم بمجلس! قال: لا أخصهم بشيء دون المسلمين، فإن شئت فامنعني حتى يكون لي حجةٌ عند ربي.

والإمام البخاري يقول هذا الكلام في عز دولة العلم، وكان الأمراء يوقرون أهل العلم؛ لكن الآن أنت تحمل علمك على كتفك، وتترصد الطلبة لعلهم يقبلون منك، وهذا بسبب اختلاف الأحوال، فلو وضع الإنسان رجلاً على رجل، وقال: من أراد العلم فليأتني فلعله يفوت الناس الكثير، فهو يأخذ هذا العلم ويمضي به إلى الناس يعلمهم، وطبعاً اختلاف الأزمان والبيئات له علاقة في الحكم بلا شك.