[اتباع سنن الآباء سبب أول كفر على وجه الأرض]
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يذهب الليل والنهار حتى تُعْبَدَ اللات والعزى، فقالت عائشة: يا رسول الله! قد كنت أظن أن الله لما أنزل {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣] قد كنت أظنه تاماً، -يعني لن يعود الكفر مرة أخرى-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله عز وجل ريحاً طيبة فتقبض روح كل مؤمن فيبقى على الأرض من لا خير فيه، ويعودون إلى دين آبائهم).
وأول كفر حدث في الأرض كان سببه الآباء، قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:٢٣]، هؤلاء خمسة من صالحي قوم نوح عليه السلام، جاء الشيطان للآباء، فقال: هؤلاء الصالحون إذا ماتوا لم يعلم الأبناء بذلك، فما هو المانع أن تُصور صوراً لهم، فإذا سألك ولدك مَن هذا؟ قل: يا بني! هذا ود، هذا سواع، هذا يغوث.
فيكون وجود الصنم مبرراً ومسوغاً لسؤال الولد إياه؛ فإذا لم يوجد ما يذكره بالماضين نسيهم، ولا تعرف الماضين إلا إذا رأيت أثراً.
ولذلك تجد آثار الفراعنة، تلمح ويسمونهم: أجدادنا.
ونحن نبرأ إلى الله عز وجل من هذه النسبة، فليسوا جدودنا، لكن لماذا يلمعون هذه الآثار؟ إحياءً لتراث الفراعنة.
لكن هب أنه لا يوجد هرم، ولا يوجد (أبو الهول)، ولا يوجد رمسيس فيطلع الناشئة من الجيل لا يعرفون من هو أبو الهول، لماذا؟ لأنه لا يوجد مقتضىً ليسأل عنه.
فقال لهم: لما يجد الولد تمثالاً يقوم فيسأل: - ما هذا يا أبي؟ فتقول له: يا بني هذا فلان.
فيقول الولد: من فلان؟ فتقول: فلان يا بني هذا كذا وكذا، وكان رجلاً صالحاً، يقوم الليل ويصوم النهار إلخ.
فأدخل الشيطان عليهم الشبهة من هذا الباب، فصنع الآباء التماثيل وهم آمنون من عبادتها.
فلما مات الآباء الذين كانوا يعرفون ذلك، جاء الأبناء الذين لا يعرفون الحامل للآباء على هذا التصوير، فقالوا: ما صوَّر آباؤنا هؤلاء إلا لأنهم كانوا يعبدونهم؛ فعكفوا على عبادتهم فكان هو أول كفر في الأرض.
ما بين آدم عليه السلام ونوح لا يوجد كفر.
بدأ الكفر في قوم نوح، وهذا كله بسبب تعظيم الآباء.