[فضل العلم]
إذاً: العلم زَين صاحبه، فالعالِم لا يضره أن يكون فقيراً، والغني الجاهل يضره ماله، لأنه لا يدري: أهذا الذي أنفق فيه المال مشروعٌ أو غير مشروع، ويمكنه أن يمسك المال فيغضب الله تبارك وتعالى، كما فعل رجلٌ جاهل خُلوٌ من العلم، لما هبت ريح عاصف، والناس جأروا إلى الله، قالوا: (لئن أنجيتنا لنصدقن)، وهذا النوع من النذر المشروط فيه سوء أدب مع الله، أن تقول: إن الله تبارك وتعالى شفاني أو عافاني أو رزقني أو سهل لي مهمتي سأتصدق، فإذا لم يفعل فماذا تفعل؟ سيقول: لا أتصدق، والله تبارك وتعالى لا يعامَل هذه المعاملة أبداً؛ لذلك كان هذا النذر المشروط فيه سوء أدب مع الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره؛ لكن يستخرج به من البخيل) فالنذر لا يقدم شيئاً.
وإذا أردت أن تنذر فانذر نذراً مطلقاً، قل: لله علي كذا، سواءٌ جاءت أو لم تجيء، هذا هو الأدب.
لكن مع ذلك النذر المشروط مع سوء الأدب يلغي هذا النذر.
ويلزم الناذر أن يوفِّي بنذره؛ ولكن شتان بين رجلٍ يوفي بنذره وقد أساء الأدب مع ربه، وبين رجلٍ آخر يوفِّي بنذره وهو متأدب مع الله تبارك وتعالى، فلذلك يجب أن ننتبه لمسألة النذر.
فهذا الرجل عندما هبت ريح عاصف على السفينة، وكل واحد قال: (لئن أنجانا الله لنصدقن)، وأنجاهم الله تبارك وتعالى، وكل واحد أخرج ما تيسر، إلا رجلٌ واحدٌ جاهلٌ، قال: رب! ليس عندي ما أتصدق به، ولكن امرأتي طالقٌ لوجهك ثلاثاً، ولا يجوز أن يُتَقَرَّب إلى الله بمثل ذلك؛ لكنه جاهل، والجاهل عدوٌ نفسه، والجهل معرَّة؛ لذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وكفى بالجهل عاراً أن يتبرأ منه من هو فيه).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الرجل الأول: الذي آتاه الله علماً ومالاً، والرجل الثالث الذي آتاه الله مالاً، استحضِرْ موقف هذين الرجلين مع الخصلة الأولى والثالثة التي شرحناها الآن: (ما نقص مالٌ من صدقة): لا يعرف هذه الحقيقة إلا العالِم؛ لأن الجاهل كيف يعرف؟! (وما صبر عبدٌ على مظلمةٌ إلا زادهُ الله بها عزاً): لا يعرفها إلا العالِم.
(ولا فتح عبدٌ باب مسألةٌ إلا فتح الله عليه باب ذل): هذا أيضاً لا يعرفه إلا العالِم.
ونقيض هذه الأشياء تراها في الجهلة الذين ليس عندهم علم.
لذلك كان شرف الأول والثاني: العلم، وكانا بأفضل المنازل: (رجل آتاه الله علماً ومالاً).
والرجل الثاني: (آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً).
فهذان بأفضل المنازل.
وإفراد العلم بالرجل الثاني هو الذي جعلنا نقطع أن العلم هو الذي شرف الأول.
والرجل الثالث: (آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً) قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (فهو يخبط) خبط عشواء، خالٍ من العلم.
الرجل الرابع: لا هذا ولا ذاك، لكن أسوته كانت الرجل الثالث، الشرير، الخُلْوُّ من العلم، قال عليه الصلاة والسلام في الرجل الغني الجاهل: (فهذا بأسوأ المنازل، أو بأخبث المنازل) وقال في الثاني: (فهما في الوزر سواء).