للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة أنس بن النضر وإقسامه على الله]

وهذا الحديث قيل في صحابي جليل لا يعرفه جماهير المسلمين، وهو أنس بن النضر، أحد الأوائل الذين قتلوا يوم أحد مع عبد الله بن حرام والد جابر بن عبد الله.

حدثت مشاجرة بين أخته الربيع بنت النضر وبين جارة لها، فاعتدت الربيع على جارتها فكسرت ثنيتها -والثنية مقدم الأسنان- فأراد الناس أن يقتصوا من الربيع، فأبى أنس، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون القصاص، فأبى أنس، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر أبداً).

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أنس! كتاب الله القصاص).

وهو يقول: (لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنية الربيع أبداً) ولا زال النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (يا أنس! كتاب الله القصاص).

وهو يأبى، حتى قبل الناس الدية، وتنازلوا عن القصاص، فحينئذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) فـ أنس كان يقول: (لا والذي بعثك بالحق لا تكسر) ويقسم بالله، حتى وفى الله ذمته، وقبل الناس الدية.

أما أم موسى؟ فإنها أمة من إماء الله عز وجل، شرفها الله تبارك وتعالى ورفع قدرها وأعلى كعبها مرتين: المرة الأولى: يوم ولدت موسى فاصطفاه الله عز وجل، والمرة الثانية: يوم أوحى لها وربط على قلبها، واختصها من بين نساء العالمين بذلك.

ففي قوله تبارك وتعالى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص:٧] كان مقتضى الأمر أن يقول: (إذا خفت عليه فأخفيه) أي: فأحرزيه بصندوق في مكان آمن، لكن أن يقال لها: إذا خفت عليه فألقيه إلى المجهول! وألقيه في البحر، وهي لا تدري أين يقذفه الموج، ولا من الذي يستلمه بيديه فأي أمن في هذا؟ فمن أعظم الفوائد التي تستفاد من هذا الموضع: أنك لا تستصعب جلاء المصيبة، ومهما جاءك من محنة ظاهرها الألم الشديد، فأمِّل في الله خيراً أن يكون تحتها الخير العميم، وهكذا كل مصيبة يحتسبها العبد لا بد أن يجد تحتها خيراً.