إن التفات القلب إلى السبب قدح في التوحيد، ومعنى ذلك أنه إذا علمت -أو ظننت- أن السبب هو المؤثر كان ذلك قدحاً في التوحيد، ولذلك ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(من قال: لولا الكلب لسرق اللص الدار؛ فقد أشرك)، لكن يجب أن يقول: لولا أن الله سخر الكلب، فلا يجعل الكلب هو الذي أنقذ الدار من السرقة.
وتأمل جيداً قول إبراهيم الخليل عليه السلام لما عرّف إلهه الذي يعبده إلى قومه، فقد كان في غاية الدقة، وكان الرائد في هذا المضمار، ولذا فكلامه موزون، وكذلك الداعيه إلى الله عز وجل يجب أن يكون كلامه موزوناً، أليس الكفر بكلمة، والإيمان بكلمة، واستحلال أعراض الناس بكلمة؟! كل شيء في الدنيا أليس يتم بكلمة؟! لما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً يقول: ما شاء الله وشئت، قال:(أجعلتني لله نداً).
والرجل ما أتم كلمة أشرك بها، إنما أشرك بحرف، قال: ما شاء الله وشئت، فعطف بحرف الواو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أجعلتني لله نداً).
ونحن نعلم أن الرجل لم يقصد أن يجعل لله نداً في حقيقة أمره وقرارة قلبه وإلا فهو كافر، إنما قال كلمة درجت على لسانه، كما يقول العوام اليوم: توكلت على الله وعليك، فالقائل: لا يقصد أن يجعل هذا الرجل كالله تبارك وتعالى.
والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكتف بقوله:(أجعلتني لله نداً) بل علمه، فقال:(قل ما شاء الله ثم شئت)، فإذا كان العبد يمكن أن يشرك بحرف، ألا يمكن أن يشرك بكلمة؟! أو بجملة، فطالما أن كل شيء مبني على الكلمة، يجب الحرص على أن تكون الكلمة في موضعها.
ولذلك فإن الغلام الذي حكى النبي عليه الصلاة والسلام قصته مع الراهب والساحر، لما جاءه جليس الملك وكان قد عمي، قال: رد علي بصري! اشفني! فكان الغلام يتكلم بتؤدة وكلام يعلم عاقبته وخطره، قال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت به دعوته فشفاك، فخلع نفسه، قال: أنا ليس لي إلا أن أدعو فقط، وأنت ليس عليك إلا أن تؤمن، إنما الشفاء منه تبارك وتعالى.