وهذا أبو قتادة الأنصاري لما تخلف كعب بن مالك في غزوة تبوك، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من كلامه، قال كعب:(فكنت أمشي في الأسواق ولا يكلمني أحد -يأتي على الناس فينصرفون ويتركونه وحده- قال: فلما شق عليَّ ذلك، كنت في الحال الذي وصف الله عز وجل:{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ}[التوبة:١١٨] قال: فتسورت حائط أبي قتادة وهو ابن عمي، وأحب الناس إليَّ، فسلمت عليه فوالله ما رد عليَّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة! أما تعلم أني أحب الله ورسوله؟ -لماذا هذه الجفوة؟ أما تعلم أني أحب الله ورسوله؟ - فالتفت إليه أبو قتادة وقال: الله أعلم.
قال كعب: ففاضت عيناي رثاءً لنفسه.
فهؤلاء هم الناس الذين انتظمت حياتهم في سلك واحد وهم الذين انتصروا على أهل الأرض جميعاً؛ لأن هذا يؤذن أن قلبهم واحد، وأن مشاعرهم واحدة لا تتخلف، فانظروا إلى حالهم وانظروا إلى حال المسلمين الآن، ترى أنهم أجدر الناس، وأحقهم بنصر الله عز وجل، وترى أننا الآن لا نستحق نصر الله تبارك وتعالى، كيف وقلوبنا ليست على قلب رجل واحد كما أومأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).