للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة]

أيها الرجال! أعينوا النساء على البر، إن الصدق هو أقصر طريق للإقناع، كن رجلاً في بيتك واحذر أن تسقط من عين امرأتك بالكذب أو بالخداع أو بالمماراة الصدق أقصر طريق للإقناع، إنك ترفع امرأتك رفعاً إذا كنت على هذا المستوى، واعتبر بما رواهُ البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أول من اتخذ المنطق هاجر، ثم ذكر هجرة إبراهيم عليه السلام من الشام إلى مكة، وقد حمل هاجر وابنها إسماعيل إلى مكة، ولم يكن بها إنسان قط، فحملها وتركها في مكة ورجع إلى الشام، فنادته: يا إبراهيم! يا إبراهيم! يا إبراهيم! فلم يلتفت ولم يرد، ومضى، فتركت ولدها ومضت تعدو خلفه، حتى أدركته في عوالي مكة إلى من تتركنا وليس بمكة إنسي؟ فلم يرد عليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال: نعم.

فقالت: رضيت بالله) ورجعت هاجر وبقيت في مكة وحدها، تمضي عليها الليالي والأيام وهي وحدها، قضت فترة طويلة، ليس بمكة إنسان تأنس به لما قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم.

وفي روايةٍ: (فلم يرد عليها، ولكن أومأ برأسه -أي: نعم، قالت: إذاً: لا يضيعنا) وفي رواية البخاري: (قالت: رضيت بالله)، صدق الرجل له أثرٌ عظيم في استقامة المرأة، ما فسدت نساؤنا إلا بعد أن فسد رجالُنا، وما نشزت امرأةٌ في الغالب إلا كان الرجل سبباً في نشوزها، لأنه لم يقم عليها بحق القوامة.

نظرت خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأت فيه رجلاً أميناً صادقاً وفياً، وكان كثير الثناء عليها بعدما ماتت، حتى قالت عائشة رضي الله عنها -كما رواه البخاري وغيرهُ- (ما غرت على امرأةٍ قط غيرتي على خديجة).

يقول الإمام الذهبي رحمه الله: وهذا أعجب شيء أن تغار من امرأةٍ ميتة، ولا تغار من نسوة يعشن عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تغار من أم سلمة، ولا من أم حبيبة، ولا من حفصة، ولا من زينب وتغار من امرأةٍ ميتة! وهذا من لطف الله بنبيه حتى لا يتكدر عيشه.

تقول عائشة: (ما غرت على امرأةٍ قط غيرتي من خديجة لكثرة ما كان يذكرها ويثني عليها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يذبح الذبيحة فيقطع الأعضاء ثم يرسل إلى صديقات خديجة، فقلت له يوماً: كأن ليس في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة، فقال لي: إنها كانت وكانت، وكان لي منها الولد).

وفي إحدى المرات -كما في صحيح البخاري-: (استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة -وكان صوتها يشبه صوت خديجة، واستئذانها يشبه استئذان خديجة، وذلك بعد موت خديجة رضي الله عنها بزمان- استأذنت هالة بنت خويلد، فلما سمع صوتها ارتاع لذلك -ارتاع أي: فزع، وهذا فزع الشوق واللهفة، وفي رواية أخرى: ارتاح لذلك- فقال: اللهم هالة -يعني: اللهم اجعلها هالة، نفس الاستئذان ونفس الصوت- قالت عائشة: فغرت -مجرد الصوت يذكره بها فقلت له: وما تفعل بعجوزٍ حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها؟) قولها: (حمراء الشدقين) كناية عن سقوط أسنانها، وعديم الأسنان لا يبقى في فمه إلا حمرة اللثة وقولها: (أبدلك الله خيراً منها) أي: تقصد نفسها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا ليس عند البخاري: (لا والله، ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كذبني الناس، وأعطتني إذ حرمني الناس، وواستني بمالها عندما منعني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ حرمني أولاد النساء).