للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبادة نوعان: معقول المعنى وغير معقول المعنى]

العبادات على قسمين: قسم يسميه العلماء معقول المعنى، والقسم الآخر: غير معقول المعنى، ومعقول المعنى: هو ما ثبتت منه الحكمة من تشريعه، وغير معقول المعنى: هو ما لم يُعقل الحكمة من تشريعه.

وهذا النمط الثاني يبتلى به المؤمنون، فمن آمن سلم، كما روى مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أتانا بعض عمومتي فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء كان لنا نافعاً وهو -ابتغاء الأجر- وطاعة الله ورسوله أنفع) نهانا عن شراء الأرض، وقد كانت تجلب المال، لكن طاعة الله ورسوله أنفع، هذا هو التسليم الذي كان يتميز به دين الصحابة فلا إنكار ولا اعتراض؟ فهذا النمط الثاني الغير معقول المعنى، لا يسعك فيه إلا الاتباع؛ لأنه لم تظهر الحكمة منه، وهذا مثل الحديث الشهير وهو في الصحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبَّل الحجر الأسود قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولكن لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) فكأنما قال: أنا لا أفهم معنى لتقبيل الأحجار، وقد جاء هذا في ديننا، والعرب كانوا يصنعون الأصنام من الحجارة ثم يعبدونها، فكان المناسب أن لا يأتي الأمر بتعظيم أي حجر؛ سداً للذريعة، لكن قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحجر فنحن نتابعه وإن لم نفهم لهذا التقبيل معنى.

لا يفعل هذا إلا المؤمنون الذين إذا علموا وتيقنوا أن هذا من عند الله أو أن هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بادروا إلى العمل به، ولم يعترضوا على الله ورسوله، كأن يقولوا: يا رب! لم فعلت هذا، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٧٤].

ثم ضرب رب العالمين مثلين، كأنما قيل: لا تضربوا لله الأمثال، فإنكم لا تعلمون حقيقة ضرب المثل، وإن أردتم أن تتعلموا فسأضرب لكم مثلين، ثم ذكر الله عز وجل مثلين بعد ذلك.