للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتراض الغزالي على حديث الحبة السوداء]

ومن الأمثلة أيضاً: لما ذكر الغزالي حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام)، تدرون ماذا قال؟ لقد قال: لا يعقل أن الحبة السوداء تستخدم في (الأنفلونزا)، أو تستخدم في (المغص)، أو تستخدم في مثل هذه الأشياء، فلا بد أن الحديث ليس على ظاهره، فيقول وهذا كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:٢٥]، يقول: فهل دمرت كل شيء؟ مع أن لفظ (كل) من ألفاظ العموم، إذاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحبة السوداء شفاء من كل داء) فنحن نعتقد أن الحبة السوداء شفاء من كل داء، ولسنا نعتقد أن الحبة السوداء هي التي تدفع الداء، إنما هي سبب، قد يرفع الله عز وجل الداء بشربة ماء، وقد لا يرتفع المرض بأخذ جميع أنواع العلاجات التي صنعت لرفع هذا المرض، فالمسألة مسألة أسباب فقط، والله تبارك وتعالى هو الشافي.

هناك امرأة مغربية ذهبت إلى أطباء الدنيا، وقرروا أن عندها سرطان، وأن الحالة ميئوس منها، وقالوا: لم يبق من عمرها إلا ثلاثة أشهر فقط، وقالوا لأهلها: متعوها وأكلوها وشربوها كل ما تريد؛ لأنه لم يبق من عمرها إلا ثلاثة أشهر فقط، فقال الأهل للمرأة: أي شيء في نفسك وتريدينه من أكل أو شرب أو غيرهما سنوفره لكِ، قالت: أريد أن أذهب إلى الحرم، وأقضي بقية عمري هناك، وذهبوا بها إلى الحرم، ولم تكن تأكل ولا تشرب، وإنما كانت تشرب من ماء زمزم فقط، وكانت تأكل بعض حبات الفاكهة ونحو ذلك، مرت ثلاثة أشهر والمرأة لا شيء عندها أربعة أشهر خمسة أشهر ستة أشهر أين ذهب المرض؟ لا تدري، شعرت أنها في صحة جيدة، عرضت نفسها على أطباء المملكة، قالوا: إنك لا تشتكين من أي علة، قالت: هؤلاء لا يعرفون شيئاً، الأطباء الكبار قرروا أن بها سرطاناً، وأطباء المملكة يقولون: ليس بها شيء، أبناؤها لم يصدقوا ما قرره أطباء المملكة، فأخذوها وطاروا بها إلى الأطباء هناك، فبحثوا فلم يجدوا العلة، أين ذهب المرض؟ لا يعرفون، قالوا لها: عند أي طبيب تعالجت، وأي دواء أخذت؟! قالت: ما أخذت شيئاً سوى أنني كنت في الحرم، وكل طعامي وشرابي كان من ماء زمزم.

فهذا يدل على أن الله تبارك وتعالى رفع هذا الداء بماء زمزم.

كما قلنا: قد يرتفع العلاج بشربة ماء، وهذا ما حدث لـ أبي ذر في قصة إسلامه، أنه اختفى من المشركين في المسجد الحرام، ونزل إلى ماء زمزم، ولم يكن له شرب ولا أكل إلا من ماء زمزم، حتى قال أبو ذر: (حتى تكسرت عكن بطني).

يعني: صار اللحم طبقات بعضها فوق بعض من شرب ماء زمزم، (حتى تكسرت عكن بطني ولم أجد على كبدي سخفة جوع).

ماء زمزم هو الماء الوحيد الذي إن شربته قام مقام الطعام، بخلاف الماء العادي إذا كنت جائعاً فلا تستطيع أن تستسيغ الماء، بخلاف ماء زمزم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه طعام طعم، وشفاء سقم) أي: ماء زمزم.

فمن الذي يقول بقول الغزالي؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الحبة السوداء شفاء من كل داء) فنحن نعتقد أنها شفاء من كل داء إلا السام، -وهو الموت- واحتجاجه بالآية في غاية العجب؛ لأن الآية تقول: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:٢٥] فيقول: فهل دمرت كل شيء؟ تمام الآية: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:٢٥] فدل على أن المساكن استثنيت من هذا التدمير.

انظروا إلى الجرأة على حديث النبي عليه الصلاة والسلام! فاتباع وتوقير كلام النبي عليه الصلاة والسلام فرع -بلا شك- عن المحبة، لو كان هؤلاء يحبون النبي عليه الصلاة والسلام كما كان يحبه السلف الأوائل لوقفوا عند قوله، ولم يتقدموا بين يديه بقول، فضلاً عن أن يخالفوا قوله، فإن مخالفة قوله عليه الصلاة والسلام جريمة عظيمة.