[الحيلة وأقسامها]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال الله عز وجل: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:١١ - ١٣].
لما وقع موسى عليه السلام في يد فرعون، وهو كما وصفه الله عز وجل: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه:٣٩]، وطار لب أم موسى لما علمت بذلك، فأرسلت أخته لتتبع أثره، وهذا معنى قوله تعالى: ((قُصِّيهِ))، وأصل القصص هو تتبع الأحداث، قال تعالى في قصة موسى والخضر: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف:٦٤]، أي: انثنيا راجعين على طريقهما الذي جاءا منه مرةً أخرى يقصان الخطا حتى يرجعا إلى الخضر؛ لأن ذلك بغيتهما.
((فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ)) أي: أبصرته من بعدٍ وهي تتابعه، وأهل فرعون لا يشعرون أنها أخته.
{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:١٢]، (مراضع): جمع مرضع، {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود:٥٦].
((فَقَالَتْ)) أي: أخته التي تقص أخباره: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:١٢]، احتج بهذه الآية بعض من رخص في الحيل؛ وذلك أن أخت موسى عليه السلام احتالت ولم تظهر شخصيتها في هذا الموقف، بل قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:١٢]؛ كأنها لا تعرفه، فرخصوا في الحيل، وذكروا في ذلك جملةً من الأدلة منها هذا الدليل.
فاعلم أيها المستغفر: أنه لا يخادع الله أحد إلا خدعه الله، كما قال عبد الله بن عمر: من يخدع الله يخدعه، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:١٤٢]، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} [البقرة:٩] على الحقيقة.
الحيل: جمع حيلة وهي القدرة على التصرف، والحيل تنقسم إلى قسمين: حيلة مذمومة، وحيلة محمودة.