إن النبي صلى الله عليه وسلم -كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه- بلغه أن خالد بن الوليد تشاجر مع عبد الرحمن بن عوف فسبه خالد، فقال عليه الصلاة لـ خالد:(لا تسبوا أصحابي! فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) لو أنفقت مثل أحد ذهباً ما بلغت ملء كف أحد الصحابة ولا نصفه هذا الكلام موجه لمن؟ ليس لنا، هذا موجه لـ خالد، وخالد صحابي، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام لـ خالد الصحابي:(لا تسبوا أصحابي).
خالد ما صفته؟ هو صحابي أيضاً، لكن الصحابة درجات، قال تعالى:{لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}[الحديد:١٠]، لأن عبد الرحمن بن عوف من طلائع المهاجرين الأوائل الذين باعوا أنفسهم لله عز وجل، ونصر دين الله في وقت عز فيه النصير؛ في حين كان خالد كافراً، وكان يحارب الله ورسوله، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى خالداً عن سب عبد الرحمن بن عوف، فمن باب أولى الذين أتوا من بعدهم فلا يجوز لهم أن يسبوا الصحابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تسبوا أصحابي).
وهذا كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي! لا تسبوا أصحابي! فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) فيه نهي عام للكل.
عندما أطالع هذه المحن يحز في نفسي أن جيل الصحابة لا يجد من ينتصر له، مع أنهم نقطة الشرف الوحيدة في حياتنا، فتوليهم واجب، ونصرتهم ومحبتهم واجبة، ومع أنه يحز في نفس كل حر، لكن من المحن تأتي المنح، إن الله تبارك وتعالى ذكر في آيتين من كتابه المجيد معنى هذه المقولة:(من المحن تأتي المنح)، وكلتا الآيتين جاءتا في سياق الجهاد والحرب، وهي قوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:٢٥١]، وقوله تعالى:{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا}[الحج:٤٠]، هاتان الآيتان جاءتا في سياق الجهاد والدفع.
ومعنى الآيتين: أنه إذا ظهر صاحب الباطل وأظهر باطله، فإن على أهل الحق أن يتصدوا لهذا المبطل وباطله ويدفعوه بالحق.
ولولا طعن هؤلاء في الصحابة ما نشرنا فضائل الصحابة، ولا بالغنا في الدفاع عنهم، واستفرغنا كل جهد في تبرئة ساحتهم، فهذا فضل من الله تبارك وتعالى ليكون ذلك سبباً في الدفاع عنهم، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه، فهذا من الأسباب.