في سنة ١٩٩٧ قصدت متحف «طوب قبو» باستانبول عقب مشاركتي بأعمال المؤتمر العالمي الثاني لفتح القسطنطينية الذي أقامته بلدية استانبول، وتقدّمت بطلب الحصول على نسخة مصوّرة من مخطوط «المقتفي» للبرزالي، وانتظرت ثلاثة أشهر حتى أتت موافقة السلطات التركية على الطلب، وكان حصولي عليه في الوقت الذي كنت أعمل في تحقيق الأجزاء الأخيرة من موسوعة «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» للمؤرّخ شمس الدين الذهبي، فأفدت منه في توثيق تراجم الأعلام اعتبارا من وفيات سنة ٦٦٥ هـ. وأكثر تلك التراجم ينفرد بها «البرزالي»، وأيقنت منذ ذلك الوقت بأهميّة كتابه، وراودتني فكرة تحقيقه، ولكنّ سوء النسخة كان يحول دون هذا الأمر، وكنت من حين لآخر أقلّب أوراق هذا الكتاب، وأتحفّز للعمل به، ثم تصرفني كثرة أوراقه المطموسة وغير المقروءة عن الإقدام، وأنغمس في تحقيق مخطوط آخر، ثم أعود إليه وأنصرف عنه مجدّدا لقناعتي بأن الكتاب سيأتي ناقصا لعدم وضوح صفحات كثيرة منه، إلى أن وطّدت العزم أخيرا-بعد الاتكال على الله-وبدأت بنسخ المخطوط المصوّر إعتبارا من يوم الخميس الخامس من شوال ١٤٢٤ هـ. /الموافق للخامس من شباط (فبراير) ٢٠٠٤ م، وكانت نيّتي أن أكتفي بتحقيق الجزء الثاني فقط لأنّ أوراقه أفضل قراءة-نسبيّا-من الجزء الأول، ولكنّني بعد أن أنجزت الجزء الثاني عدت إلى تحقيق الجزء الأول، ويسّر الله هذا الأمر بفضله، بعد أن تردّدت كثيرا خشية أن لا يأتي التحقيق كما ينبغي، وانتهيت من تحقيق الكتاب بكامله، وكتابة مقدّمته عند عشاء يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي الحجة ١٤٢٥ هـ. /الموافق للرابع من شباط (فبراير) ٢٠٠٥ م. وقد استغرق هذا العمل عاما كاملا، راجيا من الله تعالى أن أكون قد أوفيته حقّه، بعد معاناة في قراءة المخطوط الذي أحجم المحقّقون والباحثون عن تحقيقه رغم أهميّته.
وأودّ أن أشكر المسؤولين عن مكتبة أحمد الثالث المحفوظة في متحف طوب قبو على التفضّل بالموافقة على تصوير مخطوط «المقتفي»، وأن أشكر أيضا كلاّ من الباحثة سكينة الشهابي، والسيد خير الله الشريف في مجمع اللغة العربية بدمشق على إهدائي نسخة مصوّرة عن جزء البرزالي الذي فيه معجم سماعاته على الشيوخ،