للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطرق والبلدان، وجاءهم العذاب من كل مكان، ودارت عليهم الأرض، وصار بعضهم يهرب من البعض، وغاب عن غرناطة في قتلهم ثلاثة أيام، وصاروا يهيمون في أرض المسلمين حيارى، ويخرجون من الجوع والخوف سكارى، وما زال المسلمون شهرا أو نحو شهر ينتهبونهم بالقتل والأسر. ولما علم أهل غرناطة بهذه البشرى خرجوا لفيء الأموال وضمّ الأسرى، فوجدوا من المال والذخائر كل عجيب، واستمتعوا في عبّاد الصليب، فأسروا منهم نحوا من خمسة آلاف وأزيد ما بين رجال ونساء وأولاد، وبقي المسلمون يجبون موضع الجيش نحوا من عشرة أيام متوالية، ويشكرون الله على النعم الصافية، وخرج حذّاق المسلمين لعدّة القتلى من الكافرين، فأجمع كلّهم على أنهم أزيد من خمسين ألفا، ومنهم من قال ستين ألفا وما بين ذلك.

وقيل إنّ الوادي قتل منهم مثله، هذا العدد لقلّة معرفتهم به، وثقلهم بالعدد.

وأمّا الذين قتلوا في الجبال والشعاري وسائر بلاد المسلمين فلا يحصى كثرة، ولا يبلغ قتلى المحلّة عشرة، على أنّ جميع الملوك الخمسة والعشرين، وجدوا بالمحلّة مقتولين، ووجدوا اللعين ذون بطره وعمّه ذون جوان في جملتهم، ولعب الناس بجيفتهم، وصبّر وعلّق ذون بطره على باب الحمراء بغرناطة. وأمّا عمّه فكان ممّن يخدم المسلمين، ففديت جثته بشيء كثير، وأسارى منقطعين، وزاد الأسارى في بقية أيام/٣٣٢ ب/الشهر نحو نصفهم ممّا ألفه أهل الحصون والبلاد القريبة من أرضهم.

وكان المسلمون يحتاجون في كل يوم لقوت الأسرى وقوت من يحرسهم ويحرس الدوابّ خمسة آلاف درهم. وزعم النّاس أنّ الذي ألفي من الذّهب والفضّة بالمحلّة كان سبعين قنطارا، ولم يظهر من ذلك سوى ربع هذا المقدار. وأمّا الدوابّ والأخبية والعدد فشيء لا يوقف له على عدد. ولقد عزم على بيع ما يحصل منها وقسمته، فلم يطق أحد من المشتغلين لمحاولته، وبقي المبيع في الأسارى والدوابّ وبعض الأسباب ستة أشهر متوالية، فلم يتخلص، وهي حتى الآن (باقية) (١). ولحق الناس من طول البيع الملك وداخلهم العجز عن الشراء والكسل ونهاية ما كان فرسان المسلمين في ذلك اليوم بعد رجوع الرماة مما كانوا فيه ألفين وخمس ماية فارس، ولم يستشهد منهم سوى أحد عشر رجلا منهم خالد بن عبد الله المذكور، وعمر بن تاجزّرت (٢)، وكان من خيار الفرسان.

[[خبر ما جرى في مالقة وحولها]]

ولما كان يوم الخميس العاشر من المحرّم مفتتح عام عشرين وسبع ماية عزم الشيخ أبو يحيى أمير جيش مالقة، حاطها الله أن يتوجّه إلى رندة ويجتمع فيها بابنه


(١) كتبت فوق السطر.
(٢) في نهاية الأرب ٣٢/ ٣١٢ «باحرزت».

<<  <  ج: ص:  >  >>