وفي جمادى الأولى من هذه السنة زادت دجلة زيادة عظيمة، وكان ابتداء الزيادة في يوم السبت ثالث عشر الشهر، واستمرّت الزيادة إلى يوم الثلاثاء، وعظمت فغرق دائر البلد جميعه، بحيث أنه ما بقي أحد من الناس يستطيع الخروج من البلد، وانحصر الناس واجتهدوا في عمل السكورة، وتساوى في العمل الرئيس والمرؤوس، والكبير والصغير، ونقل التراب-حتى الحكام والقضاة والمترفين-في حجورهم، وبقيت بغداد جزيرة في وسط الماء، واستدار الماء عليها، ودخل الماء الخندق وكان له هدير عظيم، وغرق ما حول البلد، وخربت أماكن كثيرة منها البازار وسائر الترب والبساتين والسواد والجانبين المتقابلين لسوق الخيل والدكاكين والساباط، وخرب بستان الصاحب جميعه، والمصلّى، وبعض الكمش، وسائر البساتين التي حوله، ووصل الماء إلى الثلاث نخلات، ووقعت قبّة الجعفرية، وخربت مدرسة عبيد الله، وغرقت خزانة الكتب التي بها، وكانت-فيما قيل-تساوي عشرة آلاف دينار، وسطّح الماء وعلا بمقدار عشرة قامات، وكان الإنسان إذا وقف لم ير ما امتدّ بصره إلاّ ماء وسماء، وفتح في الرّقّة، وخرّب إلى الحارثية، وما ترك طرفة قائمة، وغرق خلق كثير من المزارعين الذين كانوا عند زروعهم ممن لم يحسن السباحة، وغرقت بساتين الرّقّة، مثل بستان القاضي، وبستان ابن العفيف، والخاتوني، وبستان جمال الدين الدكروالي، وغرقت بساتين الحارثية، مثل بستان الخادم، وابن الأمليس، وسديد الدولة، وبقي الناس في خلقة ضيّقة، وامتنعوا من النوم ليلا والمعايش نهارا من شدّة الزعقات، وخوف الغرق، وغلّق البلد ستة أيام، والناس ينظرون إلى الخندق والشط هل زاد أو نقص، وتحوّل كثير من الناس إلى المحالّ العالية مثل تل الزّينية، وتلّ اللوازة بالمستضيئية، وأسكرت سائر أبواب المحالّ العالية ببغداد، وأبواب الخانات بها، وسدّ باب خان السلسلة، وبقي إذا انفتح من الخندق فتح تداركه الناس بالسدّ، والناس يدرون في الأسواق مكشوفي الرؤوس، والرقعات الشريفة على رؤوسهم، وهم يضجّون بالبكاء ويخرّون إلى الله تعالى، ويسألونه كشف هذه الحادثة عنهم، وودّع بعض الناس بعضا، ولو انخرق إليهم من الخندق أدنى شيء لغرقوا، وزاد الماء في