للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتضرّعنا واستغثنا، فسكن قليلا، ثم قال لوالده: «إقرأ سورة يس» (١). فشرعنا في القراءة، وهو يقرأ معنا بمشقّة عظيمة، فختمناها، ثم قرأنا «الواقعة» (٢). فلما فرغنا قال: «أنا أموت الساعة، فأحضروا المغسّل». /١٩٥ أ/فقال له والده: «إنه ما يحضر معنا إلاّ بعد الموت». فقال: «أنا والله ميّت في هذه الساعة، فأسرعوا في إحضار المغسّل والحوائج». فأذّن العصر، فأجاب المؤذّن، فقال له أبوه: «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه». فقال: «إنّي والله أحبّ لقاء الله». ثم قال: «أنا أروح إلى دار السعادة»، وكرّرها، ثم قال: «هذه دار الشقاء تغصب وتقتل». فقال والده: «يا بنيّ، ونحن نشتهي أن تكون من أهل دار السعادة». فقال: «آمين آمين».

وكان يوم موته من أول النهار إلى حين قبض عقيب صلاة العصر مشتغلا بقول:

«الله يا الله»، فلما ارتخت عيناه وتبيّن الموت عليه، قلت له: «يا أخي اذكر الله»، فقال: «ففي أيّ شيء نحن من أول النهار إلى الساعة»، ثم حرّك شفتيه ووضع يده تحت حنكه ورفعه وغمّض عينيه بنفسه، ومات رحمه الله. فقام أبوه وصلّى ركعتين وشكر الله تعالى على حسن الخاتمة له، وسأله حسن الخاتمة لنفسه.

وكان مولده في رابع شهر ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وستمية.

وسمع الحديث في سنة ستّ وسبعين. وفي سنة سبع وسبعين سمع «صحيح مسلم» على الأمين الإربلي، وغيره، وسمع من الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر، وابن أبي الخير، وابن البخاري، وابن الدرجي، وابن الصابوني، والمقداد، والكمال عبد الرحيم، وصفيّة بنت مسعود، وابن شيبان، وزينب بنت مكي، وابن علاّن، وجماعة من شيوخي.

[وفاة القاضي شرف القضاة ابن الجبّاب]

٦٨٧ - وفي ليلة السبت السادس والعشرين من ذي الحجة توفي القاضي الجليل، الكبير، شرف القضاة، أبو الفتح، محمد بن فخر القضاة أبي الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن الفضل بن جعفر بن الحسين بن الجبّاب (٣) السعدي، المصري، بمصر، ودفن من الغد بالقرافة.

روى لنا عن علي بن مختار العامري، المعروف بابن الجمل. وسمع من والده، ومن القاضي أبي البركات عبد القويّ بن الجبّاب.

ومولده عاشر ذي الحجة سنة ثمان وستماية بمصر.


(١) سورة يس رقم ٣٦.
(٢) سورة الواقعة رقمها ٥٦.
(٣) انظر عن (ابن الجبّاب) في: تاريخ الإسلام (٦٩١ هـ‍.) ص ١٣١،١٣٢ رقم ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>