للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلب الأيسر. وثبت السلطان الملك المنصور في جمع قليل بالقلب ثباتا عظيما، ووصل جماعة كبيرة من التتار خلف المنكسرين من المسلمين إلى بحيرة حمص، ووصلوا إلى حمص وهي مغلّقة الأبواب، وبذلوا سيوفهم فيمن وجدوه من العوامّ والسّوقة والرجّالة والمجاهدين والغلمان ظاهر حمص، وقتلوا جماعة كبيرة، وأشرف الإسلام على خطّة صعبة.

ثم إنّ أعيان الأمراء ومشاهيرهم وشجعانهم، مثل سنقر الأشقر، وبيسري، وطيبرس الوزيري، وأمير سلاح، وأيتمش السعدي، وحسام الدين لاجين، وحسام الدين طرنطاي، والدواداريّ، وأمثالهم، لما رأوا ثبات السلطان ردّوا على التتار، وحملوا فيهم عدّة حملات فكسروهم كسرة عظيمة، وجرح منكوتمر مقدّم جيش التتار، وجاءهم عيسى بن مهنّا في أصحابه عرضا فتمّت هزيمتهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة.

واتفق أنّ ميسرة المسلمين انكسرت كما تقدّم، والميمنة ساقت على العدوّ، ولم يبق مع السلطان إلاّ النفر اليسير والأمير حسام الدين (طرنطاي) (١) /٩٨ ب/قدّامه بالسنجقيّة، فعادت ميمنة التتار الذين كسروا الميسرة في خلق عظيم ومرّوا بالسلطان وهو في ذلك النفر اليسير تحت السناجق، والكوسات (٢) تضرب، وما حوله من المقاتلة ألف فارس. فلما مرّوا به ثبت لهم ثباتا عظيما، فلما تعدّوه قليلا ساق عليهم فانهزموا لا يلوون على شيء، وكان ذلك تمام النصر، وكان انهزامهم عن آخرهم قبل الغروب، وافترقوا فرقتين، ففرقة أخذت جهة سلمية والبرّيّة، وفرقة جهة حلب والفرات.

ولما انقضى الحرب في ذلك النهار عاد السلطان إلى منزلته.

وفي بكرة الجمعة خامس عشر رجب جهّز السلطان وراءهم جماعة كبيرة من العسكر والعربان، وقدّم عليهم الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري. ولما ماج الناس نهب للمسلمين من الأقمشة والأمتعة والخزائن والسلاح ما لا يحصى كثرة، وذهب ذلك كلّه، أخذه الحرافشة وغيرهم.

وبعد صلاة الجمعة خامس عشر رجب جاءت بطاقة إلى دمشق من القريتين تتضمّن النصر والظفر وانهزام العدوّ، فضربت البشائر على قلعة دمشق، وسرّ الناس، وزيّنت القلعة والمدينة، وأوقدت الشموع.


(١) كتبت على هامش المخطوط.
(٢) الكوسات: صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، وهي من رسوم الأمراء ويسمّون أصحاب العمائم والكوسات. (صبح الأعشى ٤/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>