للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما رأيت الخيل زوراً كأنَّها ... جداول زرعٍ أرسلت فاسبطرَّت

فجاشت إليَّ النَّفس أوَّل مرَّةٍ ... فردَّت علي مكروهها فاستقرَّت

علام تقول الرُّمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرَّت

لحى اله جرماً كلّما ذرَّ شارق ... وجوه كلاب هارشت فاز بأرَّت

فلم تغن جرم نهدها إذ تلاقيا ... ولكنَّ جرماً في اللَّقاء ابذعرَّت

ظللت كأنَّي للرِّماح دريَّة ... أقاتل عن أبناء جرمٍ وفرَّت

فلو أنَّ قومي انطقتني رماحهم ... نطقت ولكنَّ الرَّماح أجرَّت

هذا ما في "الحماسة" وفي ديوانه أكثر من هذا، قال الطبرسي في "شرح الحماسة" إن جرماً ونهداً، وهما قبيلتان من قضاعة، كانتا من بني الحارث بن كعب، فقتلت جرم رجلاً من أشراف بني الحارث، فارتحلت عنهم، وتحولت في بني زبيد، فخرج بنو الحارث يطلبون بدم أخيهم، فالتقوا فعبأ عمرو جرماً لنهد، وتعبأ هو وقومه لبني الحارث، ففرت جرم واعتلت بأنها كرهت دماء نهد، فهزمت يومئذ بنو زبيد، فقال عمرو هذه الأبيات يلومها، ثم غزاهم بعد فانتصف منهم.

وقواه: زوراً: جمع أزور، وهو المعوجّ الزّور – بالفتح – أي: الصدر، يقول: رأيت الفرسان منحرفين للطعن، وقد خلَّوا أعنة دوابّهم، وأرسلوها علينا كأنها أنهار زرع أرسلت مياهها فاسبطرت، أي: امتدتـ والتشبيه وقع علي جري الماء في الأنهار لا علي الأنهار، فكأنه شبه امتداد الخيل في انحرافها عند الطعن بامتداد الماء في الأنهار، وهو يطرد ملتوياً ومضطرباً، وهذا تشبيه بديع. وقوله: فجاشت، أي: ارتفعت من فزع، وهذا ليس لكونه جباناً، بل هذا بيان حال النفس، ونفس الجبان والشجاع سواء فيما يدهمها عند الوسية

<<  <  ج: ص:  >  >>