الكوفة، فلمّا عرَّسوا من آخر الليل عند "الغريين" وعلى بعير لهم شاة مسلوخة كان اجتزرها، ثمَّ أعجله المسير فسار بها، فجاء الذئب فحركها وهي مربوطة على بعير، فذعرت الإبل وجفلت منه، وثار الفرزدق فأبصر الذئب ينهسها، فقطع رجل الشاة فرمى بها إلى الذئب، فأخذها وتنحى، ثمَّ عاد فقطع اليد فرمى بها إليه، فلما أصبح القوم خبّرهم الفرزدق بما كان، وقال فيه:
وأطلس عسال وما كان صاحبًا ... دعوت بناري موهنًا فأتاني
فلما دنا قلت ادن دونك إنني ... وإياك في زادي لمشتركان
فبت أسوي الزاد بيني وبينه ... على ضوء نار مرة ودخان
فقلت له لما تكشر ضاحكًا ... وقائم سيفي من يدي بمكان
تعش فإن واثقتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
ولو غيرنا نبهت تلتمس القرى ... أتاك بسهم أو شباة سنان
وكل رفيقي كل رحل وإن هما .. البيت
قال شارح ديوانه: الأطلس: الذئب في لونه طلسة، وهي سواد إلى الكدرة، والعسّال: الذي يعسل في مشيه، وهو اهتزازه وتثنيّه، والاسم منه العسلان، يريد أنه نزل فغشى الذئب ناره فقراه، قال أبو جعفر: الذي أعرف أنه قرى الذئب الفرزدق، ومضرّس بن ربعيّ، وعبد الله بن الزّبير الأسدي، وعبد بجيلة. انتهى. وموهنًا، بفتح الميم وكسر الهاء: الساعة التي تكون بعد نصف الليل. وترجمة الفرزدق تقدَّمت في الإنشاد الثاني من أوَّل الكتاب.
[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والعشرون بعد الثلاثمائة]