وأنشد بعده، وهو الإنشاد السّابع والتسّعون بعد الثلاثمائة:
(٣٩٧) ولا زال منهلًّا بجر عائك القطر
على أنّه إنما لم تتكررّ "لا" لأنّه أريد الدّعاء، وهذا عجز وصدره:
ألا يا اسلمي يا دار ميَّ على البلى
وهو مطلع قصيدة طويلة لذي الرّمة، غيلان، وهو من شواهد النَّحويّين، استشهدوا به على أنَّ "زال" إنما تعمل إذا تعمل إذا تقدمَّها نفي أو نهي أو دعاء، كما هنا، و"ألا" حرف يستفتح به الكلام لتنبيه المخاطب على الإصغاء، والإقبال على ما يقوله المتكلمّ، ويا: حرف نداء، والمنادى محذوف دلَّ عليه ما بعد اسلمي، والتقدير: ألا يا دار ميّ اسلمي. وكرر النداء للتَّلذذ، واسلمي: فعل أمر، من سلم من الآفات سلامة. وميّ: اسم محبوبته، بالتنوين، وتارة يقول: مية، فلا يصرف. قال سيبويه: زعم يونس أنّه كأن يسميّها مرَّة ميًّا ومرّة ميّة. انتهى. وعلى بمعنى مع. أي: اسلمي، وإن كنت قد بليت، والبلى، بالكسر والقصر، مصدر بلي يبلي، من باب تعب، وبلى الدّار: طموس معالمها، وذهاب آثارها، والمنهلُّ: اسم فاعل لا اسم مفعول؛ لأنّه من فعل لازم. يقال إنهلَّ المطر: أي: سال بشدَّة. والجرعاء: مؤنّث الأجرع، وهي أرض ليّنة، لا يبلغ ترابها أن يكون رملًا. والقطر: المطر، قال ابن رشيق في "العمدة": وقد عاب قدامة عليه قوله: بأنّه لم يحترس كما احترس طرفة في قوله:
فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الرَّبيع وديمةٌ تهمي
فردَّ ذلك عليه بأنّه قدَّم الدّعاء للدّار بالسلامة في أوَّل البيت، وهذا هو الصّواب انتهي.