وفي هذه القصيدة بيت أورده المصنّف في الباب الخامس في بحث حذف "لا" النّافية، إن شاء الله نشرحه هناك مع أبيات منها إلى آخر القصيدة. وترجمة النّمر ابن تولي تقدَّمت في الإنشاد الواحد والثّمانين.
[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس بعد الأربعمائة]
يَقُولُون لا تبعَدوهُمْ يَدْفِنُونَني ... وأَيْنَ مكانُ البُعْدِ إلَّا مَكانِيَا
على أنَّ "لا" فيه للدّعاء، وهو ظاهر، والبعد: خلاف القرب، والموت، وفعلهما ككرم وفرح بُعدًا وبَعَدًا فهو بعيد وباعد، كذا في "القاموس" ومثله لآخر، وهو من شواهد التّفسير:
يَقُولُونَ لا تَبْعَدْ وهَم يدفِنونَهُ ... ولَا بُعْدَ إلَّا ما تُواري الصَّفائحُ
وقرأ عيسى بن عمر: (بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) [التوبة/ ٤٢] وبعِد وبعُد لغتان، لكن في الأغلب المكسور العين يختصّ ببعد الموت، وقولهم للميت: لا تبعد، تنبيه على شدَّة الحاجة إليه، وتناهي الجزع وغلبة التّحسُر عليه. والصّفائح: الأحجار العريضة التي يسقف بها القبر، جمع صفيحة.
والبيت من قصيدة عدَّتها ثمانية وخمسون بيتًا لمالك بن الرّيب المازني، رثى بها نفسه، مطلعها:
ألا ليتَ شِعْرِي هَلْ أبيتنَّ ليلَةً ... بجَنْبِ الغَضا أُزْجي القِلاص النَّواجِيا
وآخرها:
فيا صاحبي إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ .. بني مازِن والرَّيْب أنْ لَا تَلاقيا
أُقَلِّبُ طَرْفي حَولْلَ رَحْلي فلا أرَى ... بِهِ مِنْ عُيُونِ المؤنسّاتِ مُرَاعِيا
وبالرَّمْلِ مِنَّا نِسْوَةٌ لَوْ شَهِدُنَني ... بَكَينَ وَفَدَّيْنَ الطَّبِيبَ المُداوِيا
وَمَا كانَ عَهْدُ الرَّمْلِ عندي وَأهلُهُ ... ذَميمًا ولا وَدَّعْتُ بالرَّمْلِ قَالِيا
فَمْنْهُنَّ أمِّي وابْنَتَاهَا وَخَالَتي ... وَبَاكِيَةٌ أُخْرى تَهيجُ البَوَاكيَا