للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشركون، وأرادُوا أن يصلِبُوه، ويُمَثّلوا به، فحمته الدَّبْرة، وهي النّحل، فلم يقدِرُوا عليه. والأحوص مقدَّم عند أهل الحجاز وأكثر الرّواه، لولا أفعاله الدّنية، لأنّه أسمحهم طبعًا، وأسلمهم كلامًا، وأصحهم معنى، ولشعره رونق وحلاوة، وعُذوبة ألفاظ ليست لأحد، وهو محسن في الغزل والفخر والمدح، وكان يُشبّب بنساء أشراف المدينة فنُهي، فلم ينته، فشكي إلى سليمان بن عبد الملك، فأمر عامله بالمدينة أن يضربه مائة، ويقيمه على البُلُس للنّاس، ثمَّ يسيّره إلى دِهْلِك ففعل به ذلك، والبُلُس بضمّتين جمع بلاس ككِتاب، وهي غرائر كبار من مُسُوحٍ يجعل فيها التّبن يُشهّر عليها من يُنكّل، ويُنادي عليه. ومن دعائهم: "أرانيك اللهُ على البُلُس" وبقي منفيًّا بِدِهْلك إلى أن مات عمر بن عبد العزيز، وولي مكانه يزيد بن عبد الملك، فخلى سبيله، وأعطاه أربعمائة دينار. وقد بسطنا ترجمته في الشّاهد الخامس والثّمانين من شواهد الرّضى.

والأحوص من الحوص بمهملتين، وهو ضيق في مؤخّر العين، وهذا الشّعر نسبه إليه ابن الأنباري، وأبو حيّان، وأنشد البيتين المبرّد في أوائل "الكامل" قال: معنى شطّت: تباعدت، ويقال: أشطّ فلان في الحكم إذا عدل عنه متباعدًا قال تعالى: (فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) [ص/ ٢٢] وقال الأحوص:

ألا يَا لَقَوْمي قَدْ أشَطّتْ عواذِلي ... إلى آخر البيتين.

وأنشد بعده، وهو الإنشاد التّاسع بعد الأربعمائة:

أبَى جُودُهُ لا البُخْلِ واستعجلَتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فتىً لا يَمْنَعُ الجُودَ قَاتِلَهْ

على أنَّ "لا" فيه أيضًا زائدة على وجه من أوجه رواية نصب البخل، ومحصل ما روي في البخل وجهان: النّصب، والجرّ، ومحصل ما قيل في النّصب ثلاثة

<<  <  ج: ص:  >  >>