[وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع عشر بعد الثلاثمائة]
(٣١٩) كل امرئٍ مصبحٌ في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
على أنَّ كلًّا معناها بحسب ما تضاف إليه .. إلى آخر ما ذكره. أخرج البخاري في "صحيحه" عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: لما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما فقتل: يا أبه! كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلُّ امرئٍ مصبّح في أهله ... .. إلى آخره.
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمَّى يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيت ليلة ... بوادٍ وحولي إذ خرٌ وجليل
وهل أردت يومًا مياه مجنَّةٍ ... وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل
قال ابن حجر في "فتح الباري": قوله: وعك، بضمّ أوله وكسر ثانيه، أي: أصابه الوعك، وهو الحمَّى. وقوله: كيف تجدك؟ أي: تجد نفسك أو جسدك، وقوله: مصبَّح، بفتح الموحدة المشددة، أي: مصاب بالموت صباحًا، وقيل: المراد أنه يقال له وهو مقيم بأهله: صبّحك الله بالخير، وقد يفجؤه الموت في بقيَّة النَّهار، وقوله: أدنى، أي: أقرب، وقوله: شراك: السير الذي يكون في وجه النّعل، والمعنى: إن الموت أقرب إلى الشخص من شراك نعله لرجله. وقوله: أقلع عنه بفتح أوله، أي: الوعك، ويرفع عقيرته، أي: صوته ببكاء أو غناء. قال الأصمعي: أصله أنَّ رجلًا انعقرت رجله، فرفعها على الأخرى، وجعل يصيح، فصار كلّ من يرفع صوته يقال: رفع عقيرته وإن لم يرفع رجله. وقوله: بوادٍ، أي: وادي مكة. وجليل، بفتح الجيم: نبت ضعيف يحشى به البيوت وغيرها، ومجنّة، بفتح الميم والجيم: موضع على أميال من مكة، وكان به سوق. ويبدو، أي: يظهر. وشامة وطفيل: جبلان بقرب مكة. وقال الخطابي: كنت أحسب