تمييز عن الفرد الذي هو الضمير المبهم، وفيه أنَّ الضمير قد تقدَّم مرجعه في البيت الذي قبله، وهو:
ألا أيُّها الليل الطَّويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأفضل
فالتمييز فيه عن النسبة لا عن المفرد، و"من" قيل لبيان الجنس، وقال أبو حيان في "الارتشاف": لتبعيض، وقيل: زائدة في الكلام الموجب، ولهذا يعطف على موضع مجرورها بالنصب، كقول الحطيئة:
يا حسنة من قوامٍ مّا ومنتقبًا
قاله المرادي. وقوله: بكل الباء متعلقة بشدت، بالبناء للمفعول، والمغار: اسم مفعول من أغرت الحبل إغارةً: إذا أحكمت فتله، ويذبل: اسم جبل لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل، وصرف هنا للضرورة. يقول: إنَّ نجوم الليل لا تفارق محالها، فكأنها مربوطة بكل حبل محكم الفتل في هذا الجبل؛ وإنما استطال الليل لمقاساة الأحزان فيه. وقوله: ألا أيها الليل انجل: أمر بمعنى انكشف، والياء نشأت من إشباع الكسرة، والإصباح: الصباح، والأمثل: الأفضل، وقد أورد البيت في "التلخيص" على أنَّ صيغة الأمر فيه للتمني، تمنى زوال ظلام الليل بضياء الصبح، ثمَّ قال: وليس الصباح بأفضل منك عندي؛ لاستوائكما في مقاساة الهموم أو لأن يظلم في عينه لتوارد الهموم، فليس الغرض طلب انجلاء من الليل، لأنه لا يقدر عليه، وإنما تمناه تخلصًا مما يعرض له فيه، ولاستطالته ليلته، كأنه لا يرتقب انجلاءها ولا يتوقعه، فلهذا حمل على التمني دون الترجي، والبيتان من معلقة امرئ القيس، وتقدمت ترجمته في الإنشاد الرابع من أول الكتاب.
[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والخمسون بعد الثلاثمائة]
(٣٥٥) شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ ... فلله هذا الدَّهر كيف تردَّدا