وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد الثلاثمَّائة:
(٣٢٩) ما كلّ رأي الفتى يدعو إلى رشد
هذا المصراع والبيت الَّذي [يليه] أوردهما عبد القاهر في "دلائل إلاعجاز" قال: إنَّك لو جئت بحرّف نفي يتصور إنَّفصاله عن الفعل، لرآيت المعنى في" كلّ" مع ترك إعمال الفعل مثله مع إعماله، ومثال ذلك قوله:
ما كلّ ما يتّمّنَّى المرء يدركه
وقول إلاَّخر:
ما كلّ رأي الفتى يدعو إلى رشد
"كلّ".كما ترى غير معمل فيه الفعل، ومرفوع، إما بالأبتداء، وإما بانه اسم [ما]، ثمَّ إنَّ المعني مع ذلك على ما يكون عليه إذا أعملت فيه الفعل فقلت: ما يدرك المرء كلّ ما يتمناه، وما يدعو. كلّ رأي الفتى إلى رشد، وذلك لأنَّ التأثير لوقوعه في حيّز النفي، وذلك حاصل في الحالين. ولو قدمت "كلًّا" فقلت: كلّ ما يتمى الفتى لا يدركه، وكلّ رأي الفتى لا يدعو إلى رشد، لتغير المعنى، ولصار بمنزلة إنَّ يقال: إنَّ المرء لا يدرك شيئًا مما يتمناه، ولا يكون في رأي الفتى ما يدعو إلى رشد