على أن "من" فيه نكرة موصوفة بجملة "أنضجت"، واستشهد به صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا)(مريم/ ٩٣) على أن من فيها نكرة موصوفة بالظرف لوقوعها بعد كل، كوقوعها بعد رب في البيت. وروي أيضًا:
ربما أنضجتُ غيظاُ قلبَ منْ
فلا شاهد فيه إن كانت من موصولة. وعلى الأول "من" موضعها رفع على الابتداء والخبر جملة "قد تمنى"، وجملة لم يطع استئناف بياني، كأنه قيل له: لمَ يتمنى موتك؟ أجاب بأنه لم يطاوعه أحد في قتالي، أو في عداوتي، وإنضاج اللجم: طبخه بالنار، وهو كناية عن نهاية الكمد الحاصل لقلبه، أو استعارة؛ شبه تحسير قلبه وإكماده بإنضاج اللحم، وغيظًا إما مفعول لأجله، أي: أنضجت قلبه لأجل غيظي إياه، وإما تمييز عن النسبة أي: أنضج غيظي إياه قلبه، وهو مصدر غاظه، أي: أغضبه.
والبيت من قصيدة مسطورة في "المفضليات" تزيد على مائة بيت لسويد بن أبي كاهل، وهو من المعمرين المخضرمين، عاش إلى زمن الحجاج. وتقدمت ترجمته في الإنشاد السادس والسبعين بعد المائتين، وكانت العرب تسمي هذه