وقوله: فقالت أكل النّاس، الهمزة للاستفهام التقريري، وكلّ مفعول أوّل لمانح، وفيه تقديم مفعول معمول أصبح عليه، لأنَّ مانحًا خبر أصبح، والمنح: الإعطاء، ييتعدى لمفعولين ثانيهما لسانك، ومنح اللسان: التلطف والتودد، وغرّه: خدعه، والتقدير: تغرهم وتخدعهم، تقول: أهكذا تمنح لسانك جميع النّاس لتغرهم وتخدعهم كما خدعتني. وترجمة جميل بن معمر تقدمت في الإنشاد الثالث والثلاثين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرّابع بعد الثلاثمائة:
(٣٠٤) وأوقدت ناري كي ليبصر ضوؤها ... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
على أنَّ فيه ردًّا على الكوفيين في زعمهم أنَّ كي ناصبة دائمًا، فإنها لو كانت ناصبة لما جاز الفصل بينها وبين الفعل باللَّام، وإنَّما هي هنا بمعنى اللّام، وسهّل ذلك اختلاف اللفظين، والنصب، وإنما هو بأن المضمرة بعد اللّام، ومثله بيت الطِّرمّاح:
كادوا بنصر تميمٍ كي لتلحقهم ... فيهم فقد بلغوا الأمر الّذي كادوا
قال ناظر الجيش: لا محيص في كلّ من هذين البيتين عن أحد أمرين: إمّا الحكم بأنّ كي مصدرية، وأن لام الجرّ أتي بها مؤخرة عنها، وإما الحكم بأنها جارّة، واللام بعدها مؤكدة، قالوا: والحكم بالأمر الثاني متعين؛ لأن توكيد حرف بمثله ثابت، وتأخير حرف الجرّ الذي هو اللّام عن الحرف المصدري غير ثابت، فنعين كون كي إذا وجدت قبل اللّام جارّة. انتهى.
وقال أبو حيّان في "شرح التسهيل": قال أبو علي في "التذكرة" في قول ابن قيس الرّقيّات: