للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقدَّمت ترجمة أبي حيّة النميري في الإنشاد الواحد بعد المائتين، وكان جبانًا كذَّابًا، وكان له سيف يسمّيه لعاب المنية ليس بينه وبين الخشب فرق، حدَّث جار له قال: دخل إلى بيته كلب في بعض الليالي، فظنّه لصًا، فانتضى سيفه، ووقف في وسط الدار، وقال: أيّها المغتر بنا، والمجترئ علينا، بِئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليلٌ، وسيف صقيل، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إن أدع لك قيسًا لا تقوم لها، وما قيس! تملأ والله لك الفضاء خيلًا ورجلًا، فخرج الكلب، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبًا وكفانا حربًا.

قال الأصمعي: أبو حية النميري شاعر، وكان أجبن العرب، وأكذبهم، فمن جبنه خبره مع الكلب إذ دخل بيته، وهو خبر معروف، ومن كذبه ما حكاه قال: كنت في بعض الفلوات، فأرملت أيامًا من الزاد، ثمَّ عنَّ لي سرب ظباء، فتعمدت بسهمي ظبية من السرب، فلمّا أطلقت السهم وكاد أن يخالطها، ذكرت هوى لي بالرمل، وشبّهتُ الظبية به، فلحقت السهم، وقد كاد أن يصل إليها حتى قبضتُ عليه، فلم يصبها. ولا يجوز أن يكون في الكذب أعظم من ذلك.

[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث عشر بعد الخمسمائة]

وَضنَّتْ علَيْنَا والضَّنِينُ مِنْ البُخْلِ

على أنَّ فيه مبالغة بكون البخيل مخلوقًا من البخل، قال ابن جني في باب تجاذب المعنى والإعراب من "الخصائص": ومنه ما جرى من المصادر وصفًا نحو: رجل عدلٌ، وإنما انصرفت العرب عن الصفة الصريحة في بعض الأحوال إلى أن وصفت بالمصدر لأمرين: أحدهما صناعي، والآخر معنوي. أما الصناعي، فليزيدك أنسًا بشبه المصدر للصفة حتى أوقعته موقعها، كما أوقعت الصفة موقع المصدر، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>