وأنشد بعده, وهو الإنشاد التاسع والتّسعون بعد الثلاثمائة:
(٣٩٩) حسب المحبِّين في الدُّنيا عذابهم ... تالله لا عذَّبتهم بعدها سقر
على أنه لم تكرّر "لا" في الماضي مع القسم لأنّه مستقبل في المعنى, لأنَّ التقدير: لا تعذّبهم في الآخرة, بدليل قوله: في الدّنيا, وهو متعلّق بـ "حسب" بمعنى كافٍ.
والبيت من قصيدة للمؤمّل بن أميل المحاربي, قالها في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة, يقال لها: "هند" وهي قصيدة مشهورة, منها:
شفَّ المؤمِّل يوم الحيرة النَّظر ... ليت المؤمِّل لم يخلق له بصر
ومنها:
قتلت شاعر هذا الحيَّ من مضرٍ ... والله يعلم ما ترضى بذا مضر
روى صاحب "الأغاني" عن علي بن الحسن الشيباني, قال: رأى المؤمَّل في نومه قائلًا يقول له: أنت المتألي على الله أنّه لا يعذّب المحبّين حيث تقول:
يكفي المحبّين في الدُّنيا عذابهم ... والله لا عذَّبتهم بعدها سقر
فقال: نعم, فقال: كذبت يا عدوَّ الله, ثمَّ أدخل أصبعيه في عينيه, وقال له: أنت القائل:
شفَّ المؤمِّل يوم الحيرة النَّظر ... البيت
هذا ما تمنّيت؟ ! فانتبه فزعًا, فإذا هو قد عمي.
وروى أيضًا, عن مصعب الزبيري أنه قال: أنشد المهدي:
قتلت شاعر الحيِّ من مضرٍ ... البيت
فضحك, وقال: لو علمنا أنها فعلت لما رضينا, ولغضبنا له, وأنكرها. انتهى.
وشفّه, بالشين المعجمة والفاء, بمعنى: أرقه وأهزله. والمتألي: بمعنى الحالف, من الأليّة, وهي اليمين.