وهو حال مغنيًا عن عامله مع كونه غير فعل, فأن يعامل "باغيًا" بذلك, وعامله فعل أحق وأولى. انتهى كلامه.
ولا يخفى أنّه إذا فتح الباب التَّأويل فإنه يجري أيضًا في قوله: تعزَّ فلا شيء .. البيت. والتقدير: فلا يرى شيء, وفي قوله:
وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعةٍ ... بمغنٍ فتيلًا عن سواد قارب
ويكون فيه التقدير: يوم لا يرى ذو شفاعة, فلا يثبت لا العاملة عمل ليس. وقوله: دنت فعل ذي حب, أي: قربت كقرب ذب محبّة, وتولّت: أدبرت, وحلّت: سكنت, من الحلول وهو النزول. وقوله: لا أنا باغيًا .. الخ. الجملة: حال, والتقدير: حلّت سواد القلب مني, أو: سواد قلبي في حالة إمحاضي المحبّة لها.
والنابغة الجعدي: صحابي, قيل: اسمه حسّان بن قيس بن عبد الله, وقيل: قيس بن عبد الله من بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة, وهو أحد المعمّرين, وكان أكبر من النابغة الذّبياني, ومات الذبياني قبله, وعاش بعده إلى أن وفد على النبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلم, وأنشده شعرًا فدعا له, وشهد مع علي صفِّين, قال ابن قتيبة: عمر النابغة مائتين وعشرين سنة, ومات بأصبهان في زمن الحجّاج, وكان شاعرًا مقدّمًا, وكان مغلبًا, ما هاجى أحدًا قط إلا غلب, هاجى أوس بن مغراء, وكعب بن جعيل, وليلى الأخيلية فغلبوه جميعًا وله مع ليلى الأخيلية أهاجٍ كثيرة, وتقدَّم بعضه معها, قال أبو عبيدة: كان النّابغة الجعدي ممن ذكر في الجاهلية وانكر الخمر والأزلام, وكان على دين إبراهيم عليه السّلام, ويصوم, فسبق النّاس إليه جميعًا وتبعوه.
وأنشد بعده, وهو الإنشاد الخامس والتّسعون بعد الثلاثمائة:
(٣٩٥) إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيًا