على أن حتى فيه عاطفة، عطفت بائسًا على الخلق، وأضاف الجود إلى اليد، بل إلى اليمنى خاصة، لأن الغالب يكون الإعطاء والبذل بها، والبائس: الذي أصابه بؤس، أي: شدة، ودان بالإساءة، أي: تعبد بها، أي: اتخذها عادة وطريقًا كالدين الذي يتعبد به الإنسان، والمعنى: إن جوده عم من أساء ومن لم يسئ، قاله الدماميني.
[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والتسعون بعد المائة]
(١٩٤) فما زالت القتلى تمجُّ دماءها ... بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل
على أن حتى فيه ابتدائية، قال الرضي: وفائدة الابتدائية أيضًا إما التحقير، كقوله:
فوا عجبًا حتّى كليب تسبني
أو التعظيم، كقوله:
فما زالت القتلى تمجُّ دماءها ... البيت
ويلزم في الأسمية أن يكون خبر المبتدأ من جنس الفعل المقدم؛ نحو ركب القوم حتى الأمير راكب، فلو قلت: حتى الأمير ضاحك، ولم تفد. انتهى.
وأراد بالتعظيم المبالغة، وهو هنا تغير ماء دجلة من كثرة دماء القتلى حتى صار أشكل، وهو من الشكلة، كالحمرة وزنًا ومعنى، لكن يخالطها بياض، وهو مأخوذ من أشكل الأمر، أي: التبس.