قالت أمه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك خلفًا، وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال، فيصير مالك إلى الكلالة، فزوَّجه بغيرها، لعلّ الله أن يرزقه ولدًا، وألحت عليه، فأمهل قيسًا حتى إذا اجتمع قومه دعاه، وقال له: يا قيس إنك اعتللت هذه العلة، فخفت عليك ولا ولد [لك، ولا] لي سواك، وهذه المرأة ليست بولود، فتزوج إحدى بنات عمك، ولعلَّ الله أن يهب لك ولدًا. فقال قيس: لست متزوجًا غيرها أبدًا، فقال أبوه:[فإن] في مالي سعة، فتسرَّ بالإماء. قال: ولا أسوؤها بشيء - والله- أبدًا. قال أبوه: فإني أقسم عليك إلّا طلقتها، فأبى وقال: الموت عندي والله أسهل من ذلك، ولكني أخيّرك خصلة من [ثلاث] خصال، قال: وما هي؟ قال: تتزوج أنت، فلعلَّ أن يرزقك ولدًا غيري. قال: ما فيَّ فضل لذلك. قال: فدعني أترحَّل عنك بأهلي، واصنع ما كنت صانعًا لو متّ في علتي هذه، قال: ولا هذه، قال: فأدع لبنى عندك، وأرتحل عنك، فلعلي أسلوها، فأبى وقال: لا أرضى حتى تطلقها، وحلف أن لا يكنّه سقف أبدًا حتى يطلق لبنى، فكان يخرج فيقف في حر الشمس، فيجيء قيس فيقف إلى جانبه فيظله بردائه، ويصلى هـ بحرّ الشمس حتى يفيء الفيء، فينصرف عنه ويدخل إلى لبنى فيعانقها، ويبكي وتبكي معه وتقول له: يا قيس لا تطع أباك فتهلك وتهلكني، فقال: ما كنت لأطيع فيك أحدًا. فيقال: إنه مكث سنة ثمَّ طلقها، فلما بانت استطير عقله، ولحقه مثل الجنون، وقال فيها أشعارًا كثيرة إلى أن مات، رحمه الله تعالى.
[وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والعشرون بعد الثلاثمائة]
(٣٢٥) جادت عليه كل عين ثرَّة ... فتر كن كلَّ حديقة كالدِّرهم
على انّ أبان حيان ردّ على ابن مالك بهذا البيت على ما زعمه من وجوب مراعاة معنى "كل" بحسب ما تضاف إليه، وابن مالك قال هذا في باب الإضافة من "التسهيل"