وخرجت إليه وكانت امرأة مديدة القامة، شهلاء حلوة المنظر والكلام، فلمّا رآها وقعت في نفسه، وشرب الماء، وقالت له: أتنزل فتبرّد عندنا؟ قال: نعم، فنزل، وجاء أبوها فنجر له وأكرمه، فانصرف قيس وفي قلبه لبنى حرّ لا يطفأ فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروى، ثمّ أتاها يومًا آخر، وقد اشتد وجده بها، فسلّم وظهرت له وردت سلامه، فشكا إليها ما يجد من حبّها، فبكت وشكت إليه مثل ذلك، وعرف كلّ واحد منهما ما له عند صاحبه، وانصرف إلى أبيه فأعلمه حاله، وسأله أن يزوجه إياها، فأبى عليه وقال: يا بنيَّ، عليك بإحدى بنات عنك، فهي أحق بك. وكان ذريح كثير المال موسرًا، فأحبَّ أن لا يخرج ابنه إلى غريبة. فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه به أبوه. فأتى أمه فشكا ذلك إليها، واستعان بها على أبيه، فلم يجد عندها ما يجبّ، فأتى الحسين بن علي، عليهما السّلام، وابن أبي عتيق، وكان صديقه، فشكا إليهما ما به ما ردَّ عليه أبواه، فقال له الحسين: أنا أكفيك، فمشى معه إلى أبي لبنى، فلمّا بصر به أعظمه ووثب إليه، وقال: يا ابن رسول الله ما جاء بك؟ هذاّ بعثت إليَّ فآتيك؟ قال: إنَّ الذي جئت فيه يوجب قصدك، قد جئتك خاطبًا ابنتك لقيس بن ذريح، فقال: يابن رسول الله، ما كنّا لنعصي لك أمرًا، وما بنا عن الفتى رغبة، ولكن أحب الأمرين إلينا أن يخطبها ذريح أبوه عليه، وأن يكون ذلك عن أمره، فإنّا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عارًا وسبة علينا، فأتى الحسين بن علي، عليهما السّلام، ذريحًا وقومه وهم مجتمعون، فقاموا إليه إعظامًا له، وقالوا مثل قول الخزاعيين، فقال لذريح: أقسمت عليم إلاَّ خطبت لبنى على قيس، قال: السّمع والطّاعة لأمرك، فخرج معه في وجوه قومه، حتى أتوا حي لبنى، فخطبها ذريح على ابنه إلى أبيها، فزوجه إيّاها، وزُفت إليه بعد ذلك، فأقام معها مدة؛ وكان أبرَّ الناس بأمه، فألهته لبنى عن بعض ذلك، فوجدت أمّه في نفسها، وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري، ولم تر للكلام في ذلك موضعًا، حتى مرض قيس مرضًا شديدًا، فلما برأ