ثمَّ في باب التوكيد، قال: ويتعين اعتبار المعنى فيما له من ضمير وغيره إن أضيف إلى نكرة، وإن أضيف إلى معرفة فوجهان، قال أبو حيان في "شرحه" وينقض هذا الذي قعدوه قول عنترة:
جادت عليه كلّ عين ثرّة .. البيت
فلو كان على ما قالوه لكان التركيب: فتركت، اعتبارًا بما أضيف إليه من النكرة، فعلى بيت عنترة يجوز: كلّ رجل فاضل مكرمون. انتهى.
وقول المصنف: والذي يظهر خلاف قولهما .. الخ، خلاف التحقيق، والتحقيق ما قاله تقي الدين السّبكي في "رسالة كلّ" بعد أن نقل كلام أبي حيّان، قلت: وما ذكروه لا ينتقض بذلك، ولا يلزم على بيت عنترة جواز التركيب الذي ذكره، لأنَّ الضمير في بيت عنترة يعود على العيون التي دلَّ عليها قوله: كلّ عين ثرة، ولا يعود على عين، وإذا كان كذلك لم يحص نقض ما قالوه، لأنم إنما تكلموا في عود الضمير على كلّ، وإنما يتعين ذلك إذا كان في جملتها، إمّا في جملة أخرى فيجوز عود الضمير لها وعلى غيرها، وإنما أعاد عنترة الضمير على العيون ولم يعده على كل عين، لأنه لو أعاده على كلّ عين وقال: فتركت، كان الترك منصوبًا لكلّ واحدة، وليس كذلك فأعاده على العيون ليعلم أن ترك كلّ حديقة كالدرهم ناش عن مجموع العيون، لا على كلّ واحدة، ونظير هذا أن تقول: جاد عليّ كلّ غنيّ فأغنوني، إذا حصل من مجموعهم، فإن حصل الغنى من كلّ واحد، جاز أن تقول: فأغناني، وبها تبين أنه لا يلزم على بيت عنترة: كلّ رجل فاضل مكرمون، لأنَّ هذه جملة واحدة، و"كلّ رجل" مبتدأ مفرد لا يخبر عنه بجمع، فكيف يقاس على ما هو من جملة أخرى لا يتعين فيها العود على المبتدأ؟ بل نظيره ما قلناه: جاد عليّ على كل عني فأغنوني. فإن قيل:"كلّ رجل" مفرد في اللفظ، ومعناه جمع، فيجوز الإخبار عنه بالجمع، قلت: معناه مفرد أيضًا؛ لأنّ معناه: كل فرد، وكلّ فرد كيف يكون جمعًا؟ ! ويبين لك هذا أنك إذا قلت: