كل رجلين، وراعيت المعنى تقول: قائمان، ولو كان المعنى جمعًا لما جاز: قائمان لا عل اللفظ ولا على المعنى، وقد نطقت العرب على التثنية، بل لم تنطق به إلّا على التثنية، وإذا كان معنى كلّ رجل مفردًا، كان قولنا: كل رجل مكرمون مخالفًا للفظ والمعنى، فلا يجوز، ونظير بيت عنترة قوله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [الجاثية/ ٧ - ٩]، وقد قال شيخنا أبو حيّان في "تفسير": إنه مما روعي فيه المعنى بعد اللفظ. وليس كذلك، بل ما قلناه، وقد ظهر لك بهذا أنّ معنى العموم في "كلّ" قائم والقائم والذي قام ثبوت الحكم لكل فرد سواء ثبت مع ذلك للمجموع أم لا، فموضوعة الدلالة على كلّ من المفردات، وتارة يكون الحكم مع ذلك للمجموع، كقولنا: كل مسكر حرام، كل كلب يمتنع بيعه. وهذا الحكم ثابت للمجموع، كقولك: كل رجل يشبعه رغيف. وذكر بعض الأصوليين في مثال ما يكون الحكم للمجموع دون الأفراد: كل رجل يشيل الصخرة العظيمة، وينبغي أن يمتنع هذا التركيب، ولا يصح أن يقال: كل رجل يشيل، ولا يشيلون، أمّا الأول فلاقتضائه أن كل فرد يشيلها، وليس كذلك. وأمّا الثاني فلما تقدم أنّ العرب التزمت عنه الإخبار بالمفرد؛ لأنّ الحكم على الأفراد لا على المجموع، هذا مدلول "كل" في لسان العرب، فإن قلت: قد قال تعالى: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ}[الحج/ ٢٧]، قلت: إن جعلنا يأتين مستأنفة، فالكلام فيه كالكلام في بيت عنترة، وإن جعلناها صفة فالمعنى: على كلّ نوع من المركوب ضامر من الإبل وغيرها، لأنّ قبله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا}[الحج/ ٢٧] ومعلوم أنّ جميع النّاس لا يأتون على كل فرد، وأيضًا بعده {مِنْ كُلِّ فَجٍّ} وكلّ فرد لا يأتي من كلّ فجّ، فكان ما بعده وما قبله دليلًا على إرادة الكثرة، والكثرة بتقدير الموصوف كما ذكرناه ظاهرة، وحينئذ يكون قوله:{يَأْتِينَ} مثل قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[الروم/ ٣٢]، ولو لم