للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنه قال: لا أنا مبتغيًا سواها, ولا متراخيًا عن حبّها. فإن جعلت"لا" الأولى ملغاة, كان قوله: "أنا مبتغ" مبتدأ وخبرًا, ولزمك أن تعمل الثّانية, ويكون اسمها محذوفًا تقديره: ولا أنا عن حبّها متراخيًا, وحسن حذفته لتقدّم ذكره, فإن قيل: فهل يجوز أن يكون متراخيًا حالًا, والعامل فيه الظّرف الذي هو عن, كما يعمل الظّرف في الحال إذا قلنا: زيد في الدَّار جالسًا؟ قيل: لا يجوز ذلك؛ لأنَّ عن ظرف ناقص, وإنما يعمل في الحال الظّرف التَّام, ألا ترى قولك: زيد في الدَّار, كلام مفيد, ولو قلت: زيد عنك راحلًا لم يجز, لأنّك لو أسقطت راحلًا فقلت: زيد عنك, ولم يكن كلامًا مفيدًا, فإذن لا يصحّ إلاُّ أن ترفع راحلًا, وتعلّق الجار به. ووجدت بعد انقضاء هذه الأمالي في كتاب عتيق يتضمن المختار من شعر الجعدي: "لا أنا باغيًا سواها" فهذه الرّواية تكفيك تكلّف الكلام على مبتغٍ.

فأمّا قوله: " يؤلّل عصلًا" فمعنى يؤلّل: يحدِّد أنيابًا عصلًا, والعصل: شدُّة النّاب مع اعوجاج فيه, وهو ناب أعصل. والبنى: جمع بنية, يريد أصول الأنياب, وهينة: مخفف هينّة, كقولهم في ميّت ميت, والنّوابي من قولهم: نبا السيف ينبو: إذا ضربت به فرجع إليك, ولم يعمل في الضّريبة. وقول رؤبة: تحشّ الطُّبَّخ, يقال: حششت النّار أحشُّها: إذا أذكيتها, والطَّبخ: جمع طابخ, شبّه ملائكة النّار بالطَّبَّاخين. وقوله: حين لا مستصرخ, أي: حين لا أحد هناك يستصرخ كما يوجد في الدنّيا. إلى هنا كلام ابن الشّجري. وقد أول ابن مالك في "شرح الكافية" قال: ويمكن عندي أن يجعل "أنا" مرفوع فعل مضمر ناصب "باغيًا" على الحال، تقديره: لا أرى باغيًا, فلمّا أضمر الفعل برز الضَّمير وانفصل, ويجوز أن يجعل "أنا" مبتدأ, والفعل المقدَّر بعده خبرًا ناصبًا باغيًا على الحال, ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه, ونظائره كثيرة منها قولهم: حكمك مسمّطًا, أي: حكمك لك مسمّطًا, أي: مثبتًا, فجعل مسمّطًا,

<<  <  ج: ص:  >  >>