ولا يخفى أنهم إنما حكموا على زيادة "في" لأنهم تخيلوا أن مجرورها هو المفعول الأوَّل لتخال، ويمكن تقديره، أي: تخاله، أي: تخال اللَيل في سواده يرندجًا، وتخال مشعرة بالتشبيه، وإذا: شرطيّة، جوابها البيت الذي بعدهما، وهو قوله:
دخلت في سرباله ثمَّ النَّجا
والسّربال: القميص، واستعاره لظلمته، والنجا، بالنون والجيم: مصدر نجوت، أي: أسرعت وسبقت إلى ما أريد، وهذا المعنى صحيح واضح لا شبهة فيه، فـ "في" أصيلة لا زائدة، وأبو سعد: كنية سويد بن أبي كاهل، وتقدمت ترجمته قريبًا في الإنشاد السادس والسبعين بعد المائتين. وقال الدّماميني: المعنى: تخال سواده سواد يرندج، ول جعل هذا من باب التجريد نحو:{لهم فيها دار الخلد}[فصلت / ٢٨] لأمكن، وعليه فلا زيادة ولا نقص. انتهى. فيكون على قوله "يرندجًا" المفعول الأول، و "في سواده" المفعول الثاني، فيكون من قبيل التشبيه المقلوب، ويرد عليه أن المفعول الأوَّ في باب ظن لا يجوز تنكيره، بخلاف بابي كان وإنَّ، فإنه يجوز تنكيره لاختلاف إعراب الجزأين. وزعم ابن الملا أنَّ إذا ظرفية متعلقة بأبي سعد، لتضمنه معنى المشهور في اقتحام الشدائد، وليس كذلك، وألف "أنا" ملفوظ للوزن، وليس بضرورة على الصحيح، ودجا الليل يدجو دجوًا، أي: أظلم، وفيه دليل على أنَّ الحرف الأصلي إذا كان مدة يقع إطلاقًا، فإنَّ ألف دجا لام الفعل، وكذا النجا، وليسا مثل ألف يرندجًا، والجيم حرف الرّوي، وهو الحرف الذي تبني عليه آخر الأبيات، والإطلاق: حرف لين ينشأ عن إباع حركة الرويّ، قال السّكاكيّ: وكثيرًا ما يجرى الألف والواو والياء الأصول مجرى الحروف الإشباعيَة، وذلك في أثناء القصائد على سبيل التوسع. انتهى.