للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبقيت كلّ واحدة منهما على موضوعها الأصلي فلا تركيب فيها، ولا تكون إذ ذاك كناية عن شيء، وإن أخرجت عن موضوعها الأصلي فإنَّ العرب استعملتها كناية عن عدد وعن غير عدد، وفي كلتا الحالتين تكون مركبةً، ولذلك لا تثنى ذا ولا تجمع، ولا تؤنث، ولا تتبع بتابع، ولا تتعلق الكاف بشيء، ولا تدل على تشبيه؛ لأنهما بالتركيب حدث لهما معنى لم يكن قبله، ولا تلزم كذا الصدر، ولا تكون مقصورة على إعراب خاص، بل تستعمل في موضع رفع وفي موضع نصب وفي وفي موضع جرّ بالإضافة وبالحرف. انتهى المراد منه بلفظه.

وكون كذا في البيت على الأصل غير واضح، لأنه ليس في الكلام مشبّه، ولا يعرف البيت الذي قبله حتى يعرف المشبه. وقد أورده أبو حيّان في أوَّل ذلك الكتاب، قال: وقولهم: "أما بمكان كذا وكذا وجذٌ" دليل على أنه لم يرد معطوفًا ومعطوفًا عليه، ولا أراد أن يوصف المكان بصفتين معطوفة إحداهما على الأخرى، وهو كناية عن معرفة، ومن وقوعه على النكرة قوله:

وأسلمتني الزَّمان كذا ... فلا طربٌ ولا أنس

انتهى. فظاهر كلامه أنه من الوجه الذي عدَّه المصنّف ثانيًا، فيكون كذا كناية عن حالٍ نكرة، والمعنى: خذلني الزمان حال كوني منفردًا. ثمَّ رأيت في "الارتشاف" بعد أن أنشد البيت، قال: أوقع كذا موقع الحال، وهي نكرة انتهى. وأسلمه: بمعنى خذله، وأنس بضمتين، والوجذ، بفتح الواو وسكون. الجيم، ثالثه ذال معجمة: النقرة التي في الجبل تمسك الماء، والجمع وجاذ.

وقال ابن وحيي: الكاف للتشبيه، وذا إشارة إلى مصدر أسلم، أي: أسلمني الزمان إلى الأحزان والغموم إسلامًا مثل ذلك الإسلام الذي ابتلاني به، فإذا كان الأمر كذلك فلا طرب ولا أنس لي. هذا كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>