للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إراد: وقد جعلت قلوص ابني سهيل يقرب مرتعها من الأكوار. انتهي. وأقول: الصواب في التقدير: تقرب من المرتع بإسناد الفعل إلي ضمير القلوص، فإن جميع أفعال المقاربة لا يكون فاعل خبرها إلاَّ ضمير اسمها. نص عليه المحقق الرَّضي. والبيت من أبيات ثلاثة أوردها أبو تمام في "الحماسة" وهي.

ولست بنازل إلاَّ ألمَّت ... برحلي أو خيالتها الكذوب

فقد جعلت قلوص ابني سهيلٍ ... من الأكوار مرتعها قريب

كأنَّ لها برحل القوم بوًا ... وما إن طبها إلاَّ اللغوب

قوله: ولست بنازلٍ ... الخ، فعال ألمَّت ضمير المرأة، وألمت: نزلت، الإلمام: النزول، والرحل: مسكن المسافر وما يستصحبه من الأثاث، وخيالتها: معطوف علي الضمير المستتر في ألمت، مع عدم توكيد المستتر بمنفصل، واكتفي بوجود الفصل بالظرف. والخيالة: الطيف، يقال: خيال وخيالة، كما يقال: مكان ومكانة، والكذوب: صفة الخيالة، ووصفها بالكذب لأنه لا حقيقة لها، ولم يؤنث الكذوب لأنَّ فعولا يستوي فيه المذكر والمؤنث.

يقول: لا أنزل محلًّا إلاَّ رأيت الحبيبة تتصوَّر لي من شدة شوقي إليها، أو رأيت خيالها في النوم، ولا أنفكٌّ منها في يقظة أو نوم.

وقوله: وقد جعلت قلوص .. الخ، قال المرزوقي والتبريزي وغيرهما من شراح "الحماسة": جعلت هنا بمعني طفقت، وبعد هذا قالوا: إنَّ جملة "مرتعها قريب" حال، وهذا أمر غريب منهم.

ونقل التبريزي عن أبي العلاء المعري أنه قال: كثير من الناس يرفع القلوص، وهو وجه ردئ لأنَّ القائل إذا قال: جعلت، وهو يريد المقاربة، لم يكن بد من إتيانه بالفعل، وأحسن من هذه الرواية أن تنصب "قلوصًا" ويكون في "جعلت" ضمير المرأة المذكورة، وليست جعلت في هذا القول في معني المقاربة، وإنما هي

<<  <  ج: ص:  >  >>