قال الدينوري: نزل هذا الشّاعر بقوم فقروه ضَيَاحا، وهو اللّبن الذي قد أكثر عليه من الماء. وأورده ابن جني في "المحتسب" وقال: هل رأيت ... الخ: جملة استفهاميّة إلا أنها في موضع وصف "الضّيح" حملًا على معناها دون لفظها، لأنَّ الصفة ضرب من الخبر، فكأنه قال:[جاؤوا] بضيح يشبه [لونه] لون الذّئب، والضَّيْح: اللّبن المخبوط بالماء، فهو يضرب إلى الحضرة والطّلسة. وأورده صاحب "الكشّاف" أيضًا عند قوله تعالى: (واتَّقُوا فِتْنَةً)[الأنفال/ ٢٥] كالمصنّف. والمذق أيضًا: اللّبن الممزوج بالماء، وهو يشبه لون الذّئب، لأنَّ فيه غبرة وكدرة. ومذقت اللّبن: مزجته بالماء، وقط استعملت هنا مع الاستفهام، مع أنها لا تستعمل إلَّا مع الماضي المنفي، لأنَّ الاستفهام أخو النّفي في أكثر الأحكام، لكن قال ابن مالك: قد ترد قط في الإثبات، واستشهد له بما وقع في حديث البخاري في قوله: قصَرنا الصَّلاة في السّفر مع النبيّ، صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنّا قط، وأمّا قوله:
جاؤوا بمذقٍ هل رأيتَ الذّئب قَط
فلا شاهد فيه؛ لأنَّ الاستفهام أخو النّفي، وهذا ممّا خفي على كثير من النّحاة. انتهى. وتبعه الكرماني في شرح هذا الحديث. واعلم أنَّ المبرّد قال في "الكامل": العرب تختصر التّشبيه، وربما أومأت به إيماء، قال أحد الرّجّاز:
حتى إذا كادَ الظَّلامُ يخْتَلِطْ ... جَاؤوا بمَذْقٍ هَلْ رَأَيْتَ الذّئبَ قَطْ
يقول: في لون الذِّئب، واللّبن إذا اختلط بالماء ضَرَبَ إلى الغبرة. انتهى. والمعزاء من الغنم: خلاف الضّأن، ويئط: مضارع أطّ، أي: صوّت جوفه من لاجوع، ومصدره الأطيط. وروى بعده بيتان، وهما:
يَلْحَسُ أُذنَيْهِ وحِينًا يمتَخِطْ ... في سَمَنٍ منْهُ كثيرٍ وَأَقِطْ