للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذا النصف الأخير، وعنه أيضًا أن بشارًا أنشد قول العباس بن الأحنف أول ما قال الشعر:

لما رأيتُ الليلَ طريقهُ ... عني وعذبني الظلامُ الراكدُ

والنجمُ في كبدِ السماءِ كأنهُ ... أعمىَ تحيرَ ما لديهِ قائدُ

ناديتُ منْ طردَ الرقادَ بنومهِ ... عما ألاقي وهوَ خلوه هاجدُ

قال: قاتل الله هذا الغلام. ما رضي أن يجعله أعمى حتى يجعله بلا قائد.

وقال هارون الرشيد في ليلة بيتًا، ورام أن يشفعه بآخر، فامتنع القول عليه، فقال: علي بالعباس بن الأحنف، فلما طرق، فزع، وذعر أهله، فلما وقف بين يدي الرشيد قال: وجهت إليك ببيت قلته، ورمت أن أشفعه بمثله، فامتنع القول علي، فقال: يا أمير المؤمنين دعني حتى ترجع نفسي إلى، فإني قد تركت عيالي على حال من القلق عظيمة، ونالي من الخوف ما يتجاوز الحد، فانتظره هنيهة، ثم أنشد البيت:

جنانٌ قدْ رأيناها ... ولمْ نرَ مثلها بشرا

فقال العباس بن الأحنف:

يزيدكَ وجهها حسنًا ... إذا ما زدتهُ نظرا

فقال له الرشيد: زدني، فقال:

إذا ما الليلُ مالَ عليكَ بالإظلام واعتكرا

ودجَّ فما ترى قمرًا ... فأبرزها ترى قمرا

فقال الرشيد: قد ذعرناك، وأفزعنا عيالك، فأقل الواجب أن نعطيك ديتك، وأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>