كيف يصح اجتماع "لن" مع الآن، ولا يصح ذكر الآن إلا مع لم، فإن قلت: اجعل الخيبة المقيّدة الآن منفية في المستقبل، قلت: الخيبة المنفية إنما هي المقيدة الآن بدليل ما رواه ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على "كامل المبرد" قال: روى الحسن عن إسماعيل، عن سليمان بن موسى، عن جعفر بن محمد قال: بلغني أن أعرابيًا دخل المدينة، فبينما هو يجول في أزقتها، إذ مر بباب الحسين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فلما عرف الدار أنشأ يقول:
لن يخِبِ الآن من رَجاكَ ومنْ ... حرَّكَ من دونِ بابكَ الحلقهْ
أنت جوادٌ وأنت مُعتبرٌ ... أبُوكَ قد كان قاتل الفسقهْ
لولا الذي كان من أوائلكمْ ... كانت علينا الجحيم منطبقهْ
فسمعه الحسين رضي الله عنه وهو يصلي، فأوجز في صلاته، ثم خرج، فإذا هو بأعرابي في أسمال، فقال: رويدك يا أعرابي، ثم نادى: يا قنبر ما معك من النفقة؟ قال: ألف درهم، قال: فائت بها، فقد أتى من هو أحق بها منا، ثم أخذها من قنبر، فصيّرها في أحدى رُدنين كانت معه، ثم دفعها للأعرابي من داخل الباب، وقال:
خذها فإني إليكَ معتذرٌ ... واعلم بأنيَّ عليكَ ذو شفقهْ
لو كان في سَيْرِنَا الغداةَ غضًا ... كانتْ سَمَانَا عليكَ مُنْدفِقهْ
لكنَّ ريبَ الزمانِ ذو غيرٍ ... والكفُّ مِنَّا قليلةُ النفقهْ
فأخذها الأعرابي فقال:
مطهراتٌ نقياتٌ جيوبهمُ ... تجري الصلاة عليهم أينما ذُكِرُوا
فأنتمُ أنتمُ الأعلون إنَّ لكمْ ... أُمَّ الكتابِ وما جاء به السُّورُ
مَنْ لم يكُن عَدَويًا حين تنسبِهُ ... فلن يكونَ له في الناس مفتخرُ
قال البطليوسي: وجزم الأعرابي بلن، وذكر اللحياني أن ذلك لغة بعض العرب يجزمون بالنواصب، وينصبون بالجوازم، وسكن اللغويون لام الحلقة، وفتحها الأعرابي، وقال ابن جني: يقال حلقة حديد، وحلقة من الناي بسكون اللام،