القول في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)[النمل/ ١٨] لما وجه الكلام إلى النمل، والخطاب لا يوجه في الحقيقة إلا للعقلاء، أجريت في الإضمار مجرى العقلاء. انتهى كلام أبي سعيد.
وأقول: إن حمل الأكل على السجود والخطاب في الاختصاص بالعقلاء سهو منه، لأن البهائم مشاركة للعقلاء في الوصف بالأكل، والقول عندي أننا لا نحمل قولهم:"أكلوني البراغيث" على الأكل الحقيقي، بل نحمله على معنى العدوان والظلم والبغي، كقولهم: أكل فلان جاره، أي: ظلمه وتعدى عليه، وعلى ذلك قول علفة بن عقيل بن علفة المري لأبيه:
أكلت بنيك أكل الضب ... البيت.
أي: ظلمتهم وبغيت عليهم، ومنه قول الممزق العبدي:
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق
أي: إن كنت مظلوماً، فتول أنت ظلمي، فظلمك لي أحب إلي من أن يظلمني غيرك، فإذا حملنا الأكل في قولهم:"أكلوني البراغيث" على هذا المعنى، صح إجراء البراغيث مجرى العقلاء، لأن الظلم والتعدي والبغي من أوصاف العقلاء، وقول علفة بن عقيل:"أكلت بنيك أكل الضب" شبه فيه الكل المستعار للتعدي بالأكل الحقيقي، فإن شئت قدرت أن المصدر مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف، أي: أكلت بنيك أكلاً مثل أكلك الضب، وخص الضب بذلك: لأن أكل الضباب تعجب الأعراب، قال راجزهم:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد ... لما تركت الضب يسعى بالواد